لم يكن خبر رحيل الفلكي الشهير المعروف بكنية «أبو شرهان» ملفي العريمة الحربي خبرا عاديا عندما نعاه صديقه ورفيق دربه وتلميذه الذي يدين له بالفضل دائما في معرفة الحسابات الفلكية الباحث الفلكي الدكتور خالد الزعاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية حيث تم تداول خبر الوفاة على نطاق واسع وأصبح «ترند» في يومه الأول على منصة إكس وتم نشره عبر حسابات رسمية وشخصية وعرض لقاءات سابقة أجريت معه في قنوات رسمية وشعبية وكذلك أصبحت مقاطعة وخبر وفاته في حالات الواتس أب فالجميع يترحم عليه ويدعو له بالرحمة والمغفرة وأصبح حديث الناس والجميع يعزون بعضهم بعضا وكأنه على صلة قرابة بكل مواطن ومواطنة سعودية فالبعض لا يعرفه ولم يلتق به بلغ الراحل من العمر عشرة عقود مائة عام قضاها في الصحراء بعيدا عن صخب المدينة ممارسا لهوايته في معرفة الحسابات الفلكية عاش ذلك البدوي الأصيل الذي يهوى تربية الأغنام وتتبع الكلأ ومنابت العشب ونزول الأمطار في الصحراء أيا كانت وجهتها وموقعها لأن أغنامه مصدر رزقه بعد تقاعده من العمل في مركز أم الجماجم والتي عمل بها ما يسمى «بالخوي» وكان رحمه الله مولعا شغوفا بالحسابات الفلكية مخلصا لهوايته لم يلتحق بالكتاتيب في زمانه ولم يقرأ الكتب ولا يعرف الصحف والمجلات ولم يجالس العلماء ولم يكن في بيئة تكتشف ما لديه من علم في الفلك أو تشجعه ولم يكن هذا الشيء محل اهتمام من يعيش في محيطهم ويجالسهم ولا يوجد لديه وسيله إعلامية يقوم من خلالها بالحديث عن الصحراء وأسراها والطبيعة ومتغيراتها إلا أن هذه الموهبة التي وهبها الله للفلكي الشهير المعروف «أبوشرعان» ملفي العريمة الحربي وهي معرفة النجوم وحركة الرياح والمواسم والفصول وجدت من يتبناها ويهتم بها ويستفيد منها كان الباحث الفلكي المعروف الدكتور خالد الزعاق يتردد على «أبو شرعان» قبل أكثر من أربعة عقود متكبدا عناء الصحراء ووعورة الطريق وقطع المسافات الطويلة من مدينة بريدة إلى قلب الصحراء سواء نفود الثويرات أو البسيتين جنوب شرق مركز قبة بالقصيم للجلوس مع «أبو شرعان» والاستفادة من معرفته وإلمامه في هذا المجال لأن الدكتور الزعاق يؤمن بأن «أبو شرعان» لديه علم بالحسابات الفلكية يجب أن يستفيد منه فرغم المشقة في ذلك الوقت وعدم وجود طريق مسفلت بين مركزي قبة وأبالورود التابعين لمحافظة الأسياح ووجود نفود وكثبان رملية طوال مسافة الطريق البالغ50 كيلو مترا وعدم وجود وسائل اتصال إلا أن الدكتور الزعاق جازف وتحمل المخاطرة في البحث عن «أبو شرعان» في الصحراء لأنه لا يوجد له مكان ثابت أو يعيش في قرية حتى يسهل الوصول إليه ولكنه رحمه الله يتنقل بأغنامه في الصحراء حسب مواطن الكلأ ووفرة المياه ولكن هذه التحديات والمشاق في البحث عن «أبو شرعان» لم تكن حاجزا أمام همة الباحث الفلكي الزعاق وبعد انقطاع عدة سنوات دامت بين الدكتور الزعاق و»أبو شرعان» عاد الزعاق إليه باحثا عنه ليجده بعد توفر وسائل الاتصال الحديثة والسؤال الدائم عنه وأجرى معه عبر حسابه الشخصي ومواقع التواصل عدة لقاءات وأصبح يثني عليه كثيرا ويدين له بالفضل في الحسابات الفلكية وأنه استفاد من علمه ويدعو للاستفادة منه فأصبحت القنوات الرسمية والشعبية ومشاهير السوشل ميديا تخطب ود «أبو شرعان» لعمل لقاءات معه وحصل ذلك لأنه لا يبخل بالمعلومة ويسعى جاهدا لتوصيل رسالته الفلكية واصبح «أبو شرعان» معروفا لدى شريحة واسعة في المجتمع السعودي والخليجي وكان الناس يثقون في حساباته ومعرفته في الحسابات الفلكية ويقومون بالتصوير معه إذا وجدوه وسؤاله عن دخول الفصول ونحوها فكان رحمه الله بسيطا في شخصيته وتعامله عميقا في علمه ومعرفته فأصبح مصدرا للمعلومة التي لا تقبل النقاش أو الشك يجيب على كل سؤال يطرح عليه من أي الفئات العمرية لم تؤثر قسوة الحياة ومعاناة الصحراء وصلابة الرجل البدويّ الذي يغلب عليه هذه الصفات إلا أن الحب والعشق أخذ مساحة من قلب «أبو شرعان» وأشغل باله وتفكيره تحدث رحمه الله عدة مرات في لقاءات أجريت معه في محطات رسمية تم تناقلها بأنه عاش قصة حب ولكن أهل تلك الفتاة عشيقته رفضوا تزويجه إياها فعاش معاناة الحب والفراق وظل وفيا لمحبوبته وعزف عن الزواج بعد عدم تمكنه من الزواج من عشيقته التي حال أهلها بينه وبينها ورفض «أبو شرعان» الإفصاح عن اسم عشيقته التي يفضل دائما عدم ذكر اسمها عندما يسأل عن اسمها وكان يقول: عندما يسأل عنها بلهجته البدوي «اتركوها بحال سبيلها راحت الله يستر عليها» كتب عن عشيقته عددا من القصائد لأنه كان شاعرا ومن أسرة عرفت بالشعراء عندما سمعت قصة عشقه ووفائه لمحبوبته تذكرت أبيات من قصيدة لشاعر الزلفاي الكبير الراحل أحمد الناصر الشايع رحمه الله والتي قال فيها: عشق بدوي لا حب ماه وبكذاب يوفي ولو جرحه تجدد صوابه فضل «أبو شرعان» حياة العزوبية والعيش في الصحراء متتبعا أثر أغنامه بسيارته أو مترجلا منها يسير خلفها بقدميه متكئا على عصاه تعرض في آخر حياته لأمراض صحية أدخل على إثرها أحد المستشفيات في مدينة بريدة حظيت حالته باهتمام ومتابعة من سمو أمير المنطقة الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود حفظه الله وكان يتردد عليه في المستشفى أهالي ووجهاء مدينة بريدة ومحبيه من كافة شرائح المجتمع بالمنطقة بشكل عام إلا أن المرض حول ذلك العصامي شديد البأس الذي كان يقود سيارته بنفسه إلى طريح الفراش رفيقا للأدوية والمسكنات وبعد خروجه من المستشفى كان في رعاية أحد أقاربه في مركز قبة شرق مدينة بريدة منذ عدة أشهر ليعلن خبر وفاته يوم الأحد الماضي ويتم الصلاة عليه في عصر ذلك اليوم في الجامع الكبير في مركز قبة بحضور عدد كبير من محبيه ومريديه ومن بينهم الفلكي الدكتور خالد الزعاق الذي صلى عليه في المسجد وحمله على أكتافه مع أقارب الفقيد وشارك في دفنه في مقبرة المركز حيث بدأت على الزعاق علامات التأثر وأعلن الدكتور خالد الزعاق عبر حسابه الرسمي عن مساهمته في بناء مسجد للراحل «أبو شرعان» من خلال منصة إحسان وفتح المجال لكل من يريد التبرع ببناء المسجد حيث كانت هذه المبادرة والوفاء من الدكتور خالد الزعاق محل شكر وتقدير أقارب «أبو شرعان» رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته تجاه الدكتور الزعاق الذي ظل وفيا لـ»أبو شرعان» في حياته وبعد مماته، أتمنى من أمانة منطقة القصيم تسمية أحد الشوارع أو الميادين العامة في مركز قبة تسميتها باسم الراحل ملفي العريمة الحربي عرفانا بالدور الذي قدمه للمجتمع خاصة ما يتعلق بالحسابات الفلكية التي لا يجيدها ويهتم بها إلا النوادر من الناس لأنها عالم متداخل ومتغير لا يثبت على حال تحتاج إلى ملم ومتابع وعلى دراية بأدق التفاصيل.