×
محافظة المدينة المنورة

يا فرصة ضائعة

صورة الخبر

عرض الخديوي عباس ملك مصر على أحمد شوقي مرافقته في رحلة الحج من القاهرة إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة محمولًا مشمولًا. ولكن أمير الشعراء اعتذر. وكنت أتعجب كيف رفض شوقي هذه الفرصة الذهبية لأداء فريضة العمر، حتى طالعت الأسبوع الماضي في كتاب “رواء مكة” للأديب المغربي حسن أوريد، أن أحمد شوقي قال للخديوي عباس:” كله إلا ركوب الجمل يا أفندينا”. وسجل في ديوانه- رحمه الله- أمنيته في أن تتيسر له سيارة أو طيارة؛ فقال في قصيدته الشهيرة” إلى عرفات الله”: ويا رب هل سيارة أو مطارة فيدنو بعيد البيد والفلوات ويا رب هل تغني عن العبد حجة وفي العمر ما فيه من الهفوات وقبل هذين البيتين قال: ويا رب لو سخرت ناقة صالح لعبدك ما كانت من السلسات ومع أن الرحلة المباركة كانت عام 1909، وعمر شوقي في الذروة من الرجولة؛ إذ إن ميلاده كان عام 1868م، فقد تهيب، أو قل استهول ركوب الجمل خمسين يومًا؛ لكي يصل إلى الحرم المكي. وحتى لو سافر بالبحر فإنه يحتاج إلى ثلاثة أيام في الرحلة ما بين القاهرة وميناء العقبة عند رأس البحر الأحمر، ثم إذا وصل إلى جدة فسوف يركب الجمل يومين للوصول إلى مكة المكرمة. أما إذا نزل في ينبع لزيارة المدينة المنورة، فبينه وبين الحرم المدني سفر بالجمل أربعة أيام. ومن لم يتعود ركوب الجمال؛ فإنه إذا امتطى جملًا عدة ساعات، فسوف يشعرأن فقار ظهره ستتفكك من الألم، وأن العصص في أسفل العمود الفقري مرضرض. فكيف برجل مثل أحمد شوقي ركيك البنية، عاش حياته منكبًا ساهرًا طول عمره. يمتح من علوم الأدب والعربية والتاريخ والسياسة والجغرافيا والقضايا المعاصرة؟ لقد قال لنا أستاذنا في الثانوية السيد أبوبكر بن شهاب، الذي درّس في الأزهر الشريف بمصر ثلاثين سنة: إن أحمد شوقي امتاز إلى جانب شاعريته الفذة بأنه عالم. وبذلك فاقت قصائده شعراء عصرنا، بل وشعراء كل العصور. لكنه أسرف على نفسه في بعض الأمور، وبناء عليه؛ فإن صحته لم تواكب ملكاته الفكرية والعقلية. وهو في نثره بنفس قوته في شعره. فمن يقرأ وصفه لقناة السويس مثلًا، يدرك عظمته. وهو يضاهي المتنبي، بل إن الشيخ محمد متولي الشعراوي يميل إلى تفضيل أحمد شوقي على المتنبي. لكن عذره في التخلف عن رحلة الحج عذر واهٍ، إلا إذا كانت فقرات ظهره لا تحتمل السفر على الجمل من القاهرة إلى الديار المقدسة. والله أعلم.