×
محافظة قلوة

حيوية الزمن - سليم السوطاني

صورة الخبر

شدّني تبادل أطراف الحديث، مع بعض الزملاء، وإبداء ملحوظاتهم حول «سرعة انقضاء الأيام» في هذا الزمن الحالي، وأن هذا الأمر لم يكن بهذه السرعة في زمن ماضٍ وفي مرحلة عمرية سابقة.. أي قبل ثلاثين سنة تقريبًا. في الحقيقة إن هذا الحديث يشغل تفكيري، ويدفعني إلى التأمل وتقليب صندوق الذكريات، والعودة إلى الوراء؛ قبل تسع وعشرين سنة، عندما انتقلت من محافظة قلوة الصغيرة إلى مدينة مكة للدراسة الجامعية. عندما دلفت إلى مكة شعرت بانقضاء ساعات اليوم بسرعة عجيبة، وكأن الساعات الأربع والعشرين تلهث مسرعة، وعلى عجلة من أمرها. بات هذا الأمر يثير استغرابي آنذاك، حتى تعودت على أجواء المدينة المكتظة شوارعها بالسيارات والمارة وصخب الحياة، واعتدت على زمنها الحي. ومع مرور الأيام أصبح الزمن عاديًا، فلم أعد أشعر بسرعته كما في أول أيام قدومي. الشيء اللافت أنني عندما أعود إلى محافظتي الصغيرة لقضاء إجازة قصيرة يحدث العكس، فالزمن الذي كان بطيئاً في ديرتي أصبح يسابق الريح على غير عادته! من كل هذا الحدث الذي أفرغته ذاكرتي لي من صندوق الماضي، وبعد مداولة وتفكير عميق وتأمل، وبعيدًا عن «نظريات الفيزياء»، أرى أن الزمن ثابت، ولكن الذي يتحكم في سرعته، في داخل عقولنا وطبيعة حياتنا، هو الحركة الحيوية التي تغمر أناساً كل زمن، وبحسب المكان الجديد والمكان الحي والشعور الذي يولد مع كل جديد... ففي مكة، أول قدومي، وجدتُ حياة مختلفة جديدة جعلت الزمن في نظري حيًا، ومن شدة ما أرى وأشعر به آنذاك جعل الوقت يمضي سريعًا، وأنا أعيش دهشة مكان وأجواء مدينة جديدة تضج بالحياة والبشر... وعندما عدت مشتاقًا إلى مسقط رأسي، بعد غربة روحية، تحوّل الزمن ليجري بسرعة، بعكس ما كان، ومرد ذلك إلى أن وقتي كان أثمن، والغياب قد أثر فيَّ، وسيطر الحنين على نسمات المكان التي كنت أجدها عاطرة حتى لو كان الأفق يعج بالغبار! ساعات الانتظار طويلة، ولحظات الفرح قصيرة، كل الناس يستشعرون ذلك في كل المجتمعات، مع أن الزمن هو الزمن، فالساعة ستون دقيقة، والدقيقة ستون ثانية، لم يتغير شيء، لكنها ثنائية النفس والزمن، علاقة تتغير بتغير الحال! وأعود إلى هذا الزمن الحاضر، وما فيه من وسائل تواصل اجتماعية متنوعة جعلت الزمن الحاضر حيًّا لا يتوقف عن الركض، وأيضًا كلما تقادم الزمن على عمر الإنسان كثرت أشغاله واهتماماته، فأصبحت السرعة تسيطر على لحظات أيامه، لذا أرى أن الزمن ثابت، وإنما تعود سرعته وبطؤه إلى ما يمتلئ به الفراغ الزمني من مشاغل، وإلى مشاعر الإنسان وأجواء المكان، وما يحيط به، فهذه العوامل هي من تجعلنا نرى أن الزمن يمضي في دواخلنا على نحو مختلف.