×
محافظة العديد

أثر التكنولوجيا في الأسرة بالمجتمعات المعاصرة

صورة الخبر

الأسرة هي اللبنة الأولى والأساسية للفرد، وهي أول جماعة اجتماعية ينضم إليها، ومن خلالها يكتسب الإنسان السلوكيات الاجتماعية والمهارات اللازمة، وتكوين خلفية عن الخبرات التي يحتاجها للبقاء والتفاعل الاجتماعي مع أفراد المجتمع. والاهتمام بالأسرة في مجتمعنا نابع من منطلق التعاليم الدينية، حيث أمر الله -عز وجل- عباده بطاعة الوالدين اللذين هما أساس تكوين الأسرة، كما جاءت آيات في كتابه الكريم أيضًا عن كيفية التربية وآداب التعامل بين الزوجين، ووضع حدود في التعاملات الأسرية حتى عند الطلاق، وهذا يدل على عظمة مكانة الأسرة في الإسلام. والواجب علينا كمسلمين أن نعي بأهميتها البالغة التي قد يتهاون فيها الفرد، ورغم كل التوعية بأهمية ومكانة الأسرة، إلا أن هناك الكثير من الأفراد يقطعون صلتهم بأسرهم، ولا يتعاملون معهم إلا لضرورة قصوى، وتجدهم يقطنون في المنزل ذاته، إلا أن كل فرد منعزل ومنطوٍ على ذاته، ويعتبر فعلهم هذا قطعًا لأرحامهم التي وصى بها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في السنة النبوية الشريفة. لماذا حدث هذا في أسرنا التي أمرنا في كتاب الله وسنة نبيه بالحفاظ عليها؟ ترجع أسباب تفكك الأسر في المجتمعات العربية بشكل خاص إلى عدة أسباب، أولها وأهمها العولمة، ودخولنا عالم التكنولوجيا الحديثة، أصبح الجميع لا يستغني عنها، سواء فردًا راشدًا أم طفلا، فقد غزت التكنولوجيا العالم عامةً والمجتمعات العربية خاصةً، مما زعزع الأسر وجعلها تفقد مكانتها الاجتماعية لدى أعضائها. التكنولوجيا تعتبر وسيلة لهدم التفاعلات الاجتماعية، إذا لم يتم استخدامها بشكل صحيح، فمنذ ظهورها ودخولنا عالمها لم نعد نستغني عنها، ونستخدمها استخدامًا خاطئًا أثر على جميع الجوانب الحياتية، مما أدى إلى حدوث تغير في نسق الحياة الاجتماعية، وأصبح الإنسان يعيش في عالمها، لم يعد يتصل بالعالم الخارجي بشكل مباشر، بل أصبح يتواصل مع الجميع بشكل غير مباشر، حتى أصيبت الروابط الاجتماعية بشكل عام والأسرية بشكل خاص بالانهيار والتفكك، وانعكست هذه التغيرات الاجتماعية على المستوى النفسي للأفراد. ومنذ ظهورها ظهرت معها العديد من الأمراض النفسية، وأخذت معدلات الإصابة بها ترتفع شيئًا فشيئًا، حتى أصبح لا يخلو منزل من وجود شخص واقع في وحلها دون أن يعي ذلك، ظنًا منه أنها أمور طبيعية، وكل الأفراد يتخذون هذا النمط من المعيشة أسلوبًا حياتيًا، مما يجعله يغرق أكثر فأكثر يومًا بعد يوم، وينتهي به المطاف في العيادة النفسية بعد أن يفطن لذاته، ولكن -للأسف- يكون قد فات الأوان لتدخل مبكر، وتفاقمت المشكلة مما يؤدي إلى طول فترة العلاج، فالتكنولوجيا سلاح، فإذا لم يُستحسن استخدامها، أصبحت سلاحًا مدمرًا موجهًا نحو مجتمعنا. ومن منطلق حرصنا الشديد على حماية مجتمعنا من هذا الخطر المدمر لأفراده وأسرهم الذين هم أساس تكوينه وبقائه، يجب علينا أن نتكاتف لنشر الوعي بين جميع فئات المجتمع عن أضراره الصحية والنفسية والاجتماعية التي تشكل خطرًا على حياتهم. ويجب علينا كأولياء أمور الحرص الشديد على الاستخدام الصحيح لها، والتزامنا بجميع القوانين التي تُسن في المنزل لحماية أبنائنا منها، فنحن مرآة أبنائنا والقدوة الأولى لهم، فيجب أن نكون كما نريد أن يكون أبناؤنا. نحن بحاجة ماسة إلى أسر متماسكة يسودها التفاهم والاحترام المتبادل، منسجمة ومتناغمة مع بعضها البعض حتى يستمر بناء وتنمية المجتمعات؛ ولتحقيق تلك الأهداف، يجب أن نعي أولًا بأهميتها وندركها جيدًا لأن الجيل سينشأ على أيدينا، فيلزمنا الاقتناع الكامل بأهمية الأسرة ومكانتها في حياتنا، وعند إدراكنا لهذه النقطة، يمكننا أن ننشئ روابط اجتماعية جيدة مع أبنائنا. كما ينبغي علينا أن نقوي أواصر المحبة والاحترام المتبادل بيننا كأسرة، من خلال التواصل المستمر مع الأبناء، وإقامة أعمال مشتركة بين أفرادها لخلق روابط أسرية متينة لا تتزعزع بالتغيرات الاجتماعية التي تسود المجتمعات، وعندما نخصص وقتًا للتفاعل الاجتماعي بين أفراد الأسرة، فإننا بذلك نجد أن وقت استخدامهم للتكنولوجيا يبدأ بالإضمحلال تدريجيًا، وبذلك نكون قد قدمنا منفعة لهم وللمجتمع بأسره، كما أن استخدام إستراتيجية تقسيم الوقت لعدة مهام مختلفة في اليوم الواحد يجعل أوقاتنا مزدحمة بعيدًا عن التكنولوجيا. وأيضًا من الحلول الفعالة للبعد عن التكنولوجيا وزيادة الترابط الأسري، الزيارات الأسرية الأسبوعية، مما يزيد من التفاعلات الاجتماعية بين الأفراد، وقضاء وقت الفراغ في صلة الرحم يكتسب الفرد من خلالها الأجر أولًا، والفوائد الاجتماعية والنفسية ثانيًا، مما يعزز التقارب الاجتماعي بين الأفراد. وعلى الرغم من فوائد التكنولوجيا التي تسهل عملية التعلم والتواصل والاستثمار والعمل، إلا أننا نحن من جعلناها بأيدينا وسيلة ضارة بدلاً من وسيلة فعالة، نحن من نسيء استخدامها، فلو نظرنا من وجهة نظر أخرى، لو أن أفراد المجتمع بأسره لديهم الوعي الكافي بأهمية التكنولوجيا وبالاستخدام الصحيح لها، لما وقعنا في وحلها، على العكس تمامًا، بل جعلنا منها إلهامًا لنا لتطوير أنفسنا أولًا، ومجتمعنا أخيرًا، على الرغم من أن التكنولوجيا هي أحد أسباب تفكك التماسك الأسري في المجتمع، إلا أن لها فوائد عديدة في حياتنا اليومية، فلو استحسنا التعامل معها، لجعلناها وسيلة أسهل لنا للتواصل الأسري، لا للعزلة عن الآخرين. غرفنا من بحور علمها فوجدنا من خلالها ملايين الكتب والدراسات العلمية التي تغذي عقولنا، وجعلناها جسرًا نعبر من خلاله إلى مستقبل مشرق، ومن خلالها، سهلنا العملية التعليمية بوصول المعرفة إلى الأجيال بطرق علمية مختلفة ومبتكرة، وجعلناها بوابة لثرائنا من خلال الاستفادة من منصات الاستثمار التي أصبحت جزءًا أساسيًا من العالم الافتراضي الذي بات يشكل نموذجًا يحتذى به في المجتمع، وعلى الصعيد المهني، من خلالها يمكننا سهولة البحث عن فرص وظيفية وإيجاد العديد من هذه الفرص، مما يسهم في خفض مستوى البطالة في المجتمع وزيادة معدلات الإنتاجية في المجتمع. ولا ننكر الفوائد التي اكتسبناها من خلال التكنولوجيا، والتطور الذي وصلنا إليه بفضلها في عدة مجالات، خاصةً في المجال الطبي، رغم الصعوبات التي يواجهها الأطباء في الفحص والتشخيص، إلا أن التكنولوجيا أصبحت يد عون لهم، فجعلت مهنة الطب متطورة ومتقدمة جدًا، وأصبح هناك دقة في النتائج الطبية بفضلها، وسهلت العملية العلاجية على كل من الطبيب والمريض. التكنولوجيا كنز لمن يعرف كيفية التعامل معها، وداء لمن يسيء استخدامها، فالأمر كله يعتمد علينا، نحن الذين نحدد الحال الذي نريد أن نكون عليه.