×
محافظة الجبيل

حكاية في مستودع كتب - د.عبدالله بن سعد أبا حسين

صورة الخبر

للدكتور أحمد الضبيب جهودٌ مبكرة في رصد حراك المطبوعات في المملكة العربية السعودية، منها دراسات نشر بعضها في مجلّة الدارة سنة 1395هـ وسنة 1398هـ، بعنوان: (حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية)، ومنها دراسة بعنوان: (آثار الشيخ محمد بن عبدالوهاب سجل ببليوجرافي لما نُشر من مؤلفاته)، طُبعت في كتاب سنة 1397هـ، حَصرَ فيه مؤلفات ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب في المطبوعات، ودلّ عليها، وقلّ انتفاعي بالكتاب مع عظم نفعه، والسبب: إحالاته على مطبوعات متوفرة وقت إعداد الدراسة ونشرها، وغير متوفرة في زماني؛ كـ(مجموعة التوحيد)، و(مجموعة التوحيد النجدية)، و(الجامع الفريد)، وسألت عنها الكتبيّين، فأجابوني (بأنّها كانت توزّع مجّاناً، فلا تكاد تجدها اليوم إلا في محالّ بيع الكتاب المستعمل)، ودلّني أخٌ محبٌّ كريمٌ على مستودع كتبٍ عُزم على التخلّص من بعضها لتداعيها، أو تلفها، أو عدم الجدوى منها، وقال: (ربما تجد فيه ضالّتك)، فوجدتها، وأكثر، وذكّرتني والمستودعُ مشاهدَ تكرّرت عليّ في الفترة من سنة 1410هـ إلى سنة 1415هـ، فقد كنت أرى (الجامع الفريد)، و(مجموعة التوحيد النجدية)، في أيدي بعض طلبة العلم أثناء حضور الدروس، وهي كتب جامعة لمتون، قلّ حضورها شيئاً فشيئاً، ثمّ انحسر، ولم أكترث لانحسارها لتجدّد نشر المتون التي فيها، ثمّ اكترثت بعدُ لاتّصالها بنتاج علمي يُحيل إليها؛ كالدكتور أحمد الضبيب، والشيخ إسماعيل الأنصاري الذي حقّق بعض ما فيها، وأحال إليها، يقول مثلاً: (كذا في طبعة المصطفوية)، يقصد مجموعة التوحيد المطبوع في المطبعة المصطفوية في الهند سنة 1311هـ، ويقول: (مطبعة الحكومة)، يقصد مجموعة التوحيد النجدية المطبوع في مطبعة الحكومة بمكة المكرمة على نفقة الملك عبد العزيز سنة 1343هـ، ويقول: (طبعة المنار)، يقصد مجموعة التوحيد النجدية المطبوع في مطبعة المنار بمصر على نفقة الملك عبد العزيز سنة 1345هـ، ويقول: (الجامع الفريد)، يقصد المطبوع على نفقة الجميح سنة 1387هـ، ويُعبّر عنه أحياناً بقوله: (طبعة الجميح)(1)، وقابل الشيخ إسماعيل الأنصاري ما في المطبوعات بأصل خطّيٍّ كتبه الشيخ عمر بن ناصر بن راشد الحقبان، وأوقفه سنة 1317هـ، وأسند نظر الوقف للشيخ عبد الله بن حسن بن حسين آل الشيخ، وهو كاتب الوقفيّة، وانتقل المجموع إلى عناية سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، ثم استقر في مكتبةلرياض السعودية، برقم 296/86 . كانت الكتب المجاميع أوعيةً تتحرّك فيها بعض مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره في فترة تحوّل نمط حراك كتب العلم من النّسخ باليد إلى الطباعة، وصاحبَ بعضُها أجيالاً قبل طروء التعليم النّظامي في بلادنا، وبعضُها الآخر صاحبَ أجيالاً آخرين بعده، وأوّل ما صدر منها: (مجموعة التوحيد) سنة 1311هـ، وسببه أنّ علماء الوقت اهتمّوا بطروء الطباعة، وسارعوا في الأخذ بالجديد، وجمعَ الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ وأخوه محمد مخطوطاتِ كتبٍ ورسائل في توحيد الإلهية، واعتقاد أهل السنّة والجماعة، وأعدّوها في زمان عُسرٍ، ومسغَبةٍ، وممّا جمعوه: كتاب التوحيد، ورسالة ثلاثة الأصول، والقواعد الأربع، كُلُّها للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأرسلوها صُحبةَ قافلةِ تجّارٍ إلى جهة الخليج، لتركب سفينةً، وتعبر بها بحرَ العرب، ثم ترسو على ضفاف شاطئ الـمُحيط في بلدة بومبي، ويتسلّمها الطّابع الهندي، وتُطبع في المطبعة المصطفوية(2)، ولما استعاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مُلكَ الرياض سنة 1319هـ، ووحّد البلدان، وأمّن المفاوز، وجمع الحاضر والباد؛ دفع الحراك العلمي بكلتا يديه، وشاركه رجاله الأُمناء الأوفياء، فطبع كتباً كثيرةً، واشترى كمّاً من المطبوع، وأعاد طباعة (مجموعة التوحيد) سنة 1336هـ في الهند، ورأى سنة 1343هـ الحاجة ماسّة لتصحيحه، وإعادة طباعته في مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، وكان الزمانُ زمانَ عُسرٍ أيضاً، والورقُ الجيّد شحيحاً، وألمح مستشار الملك وسكرتيره الخاص يوسف ياسين إلى ذلك في مقدمة الطبعة، وذكر أنّ التصحيح استغرق ما يُقارب صفحتين ونصفاً، أُرفقتا بالطبعة، واعتذر عن رداءة الورق، ووعد بطبعة أحسن ورقاً، وأحسن تصحيحاً(3)، وتتابعت طبعات الكتاب بعد ذلك بفضل الله تعالى ثمّ عبد العزيز، واعتُني بتصحيحه، وزيد في عنوان بعض الطبعات كلمة (النجدية)، واقتُصر فيه على رسائل ومؤلفات علماء نجد، وجاء في خاتمة طبعة سنة 1345هـ ما يدلّ على عناية كبار علماء المملكة العربية السعودية به، قال: (بلغ مقابلة وتصحيحاً على المشايخ الكرام: الشيخ محمد بن عبد اللطيف، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عبد الله العنقري)، وطُبع كتاب (مجموعة الحديث) مع (مجموعة التوحيد) سنة 1311هـ في الهند، ثمّ أُعيدت طباعته مراراً على نفقة الملك عبد العزيز، قال الأستاذ محمد رشيد رضا في مقدمة طبعته سن1342هـ: (كان غرض السلطان عبد العزيز من طبعها وأمثالها تعميم العلم في بلاده)، يقصد الحاضرة، والبادية، فإنّه سعى في توطين البادية، وعلّمهم، وبثّ مطبوعاته فيهم، واشتهر بحرصه على تعليمهم، حتى أنّ أحدهم وفد عليه، وخاطبه أمام الجموع بقوله: يا عبد العزيز أبي مطوّع يعلّمني وعيالي، وجماعتي، فأجابه: (أبشر)(4)، وربما استقرّ ابن البادية في الرياض، وأسكنه عبد العزيز على نفقته، وتعلّم، ومَهَر(5)، ولم يكتفِ الملك بنشر الكتب المجاميع في رعيّته، بل اهتم بفهمها على مراد مؤلفيها، فإنه بلغه سنة 1340هـ عن طريق رجاله الأمناء أنّ بعض رعيّته يجتمعون على قراءة الكتب المجاميع، وليس من بينهم طالب علم يبيّن المراد، فكتب إلى العلماء بضرورة مراجعة أولئك لهم في الفهم (6)، وروي لي: أنّ ابن البادية ربما دخل المسجد، وجلس في حلقة الشيخ عبد الله العنقري (ت:1373هـ)، وفي يده مجموعة التوحيد، أو مجموعة الحديث. ثمّ طرأ التعليم النّظامي، وزاحمت المدارسُ في التعليم المساجدَ، وموادُّ التعليم الحديثةِ مناهجَ أصيلة، وأسهم الرعيةُ، والراعي، والعلماءُ، والمعلمون، والتّجّار الأبرار، في العمليّة التعليمية، ومن إسهام التّجّار: طباعة الجامع الفريد سنة 1387هـ، على نفقة الوجيهين عبد العزيز ومحمد ابني عبد الله الجميح، وصُرِّح في آخره باعتماده على مجموعة التوحيد المطبوع في الهند، وأنّه عورض بنُسخ خطّيّة أُخرى، وزيد فيه كتاب (هداية الحيارى) لابن القيم، وقدّمَ مدير عام المكتبات بوزارة المعارف الشيخ زيد بن فيّاض لطبعة الكتاب الأولى، ثم طُبع طبعة ثانية سنة 1389هـ، على نفقة محمد بن عبد الله الجميح، وأبناء أخيه عبد العزيز، وهم: محمد، وعبدالرحمن، وحمد، واستُبدل بعض ما فيه برسائل في العقيدة، وقدَّمَ له الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو لجنة الإفتاء في المملكة العربية السعودية، وأثّر العمل في (الجامع الفريد) على تُجّارٍ آخرين، فإنّ الوجيه محمد بن عبد الرحمن بن عبيكان طبع كتاب (مجموعة التوحيد)، وألحق به رسالة للعلامة الشوكاني اقتداءً بـ(الجامع الفريد) في طبعته الثانية. ثمّ طرأ التعليم العالي الجامعي، وسيطرت على مخرجاته معاييرُ أكاديمية، وأوعزت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى علماء ومختصّين أكاديميّين لتحقيق ما أمكن من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتمّ العمل، واعتمد الشيخ إسماعيل الأنصاري في تحقيق ما حقّق على ما ذكرنا، واعتمد المحققون لكتاب التوحيد على ما اعتمد عليه الشيخ إسماعيل، وقابلوا المطبوع بمخطوط، وذكروهما في الهوامش(7). هذه حكاية المجاميع التي يُحيل إليها د. أحمد الضبيب في كتابٍ صدر سنة 1397هـ، ولم تتوفر لي سنة 1437هـ إلا بعد اكتشافِ مستودعِ كُتبٍ عُزم على التخلّص من بعضها، فتردّدت عليه بإذن أهله أيّاماً وليالٍي، أدخله فرحاً، وأخرج معتبراً في تغيُّرِ بعض أوعية العلم التي كانت نجوماً في سمائه، تزيّنه، وتُضيئه، ويُهتدى بها، ومتذكّراً قولهم في الأمثال: (الدّهرُ أرودُ مُستبدٌّ)، يعني: يُغيّرُ رويداً رويداً، ويغلبُ، وكلّ ذلك بفعل الله تعالى، وحكمته. ولقد دلّتني الحكاية على حراكٍ حضاريٍّ لأمّتي السعودية، ولـمّا تجلّى؛ انبعثت لقياس نسبةِ اعتباره عند مدوّني حركة إحياء التراث العربي بعد طروء الطباعة، ونسبةِ اعتباره عند العاملين على إعادة ما عَمِلَ عليه خُدّامُ المجاميعِ قبلُ، فوجدت غمطاً للمآثر، وتعامٍ عن مُنجز وطني، وسأذكر أربعة نماذج، أولها: (معجم المخطوطات المطبوعة)، فإنّ مؤلفه الأستاذ صلاح الدين المنجّد تتبّع المطبوعات من سنة 1954م الموافق لسنة 1374هـ، وصدرت بعض أجزاء المعجم سنة 1962م، ولم يلتفت إلى نشر الكتب التراثية في المملكة مع وضوحه لكل ذي عينين(8). الثاني: (المعجم الشامل للتراث العربي)، صدر عن معهد المخطوطات العربية، وعَهِدَ المعهدُ إلى الدكتور محمد عيسى صالحية، بجمع المادة، وإعدادها، وتحريرها، ونُشر الجزء الأول سنة 1992م، ولم يَذكُر شيئاً ذا بال عن حركة نشر التراث في المملكة العربية السعودية، ولـمّا تكلّف التفتيش في خزائن الكتب في أوروبا وفي الوطن العربي؛ لم تكن مكتبات وطني الزاخرة بالمطبوعات القديمة إحدى محطّاته(9). الثالث: مجموعةُ تحقيقاتٍ لكتب العلامة ابن القيم، طُبعت على نفقة مؤسسة الشيخ الوجيه سليمان الراجحي، وبإشراف الدكتور بكر أبو زيد، ولم يُلتفتْ في بعضها إلى نُسَخٍ خطّيّة في بلادي، مثل كتاب (هداية الحيارى)، حقّقه د. عثمان ضميرية، لم يذكر ضمن النّسخ الخطّيّة نُسخةً في مكتبة الملك سلمان بجامعة الملك سعود، كتبها الشيخ العالم حمد بن عتيق، برقم (1327)، ولم يذكر ـ ضمن المطبوعات السابقة - الطبعةَ التي في كتاب الجامع الفريد المطبوع سنة 1387هـ/ 1967م، وهي ساب قةٌ في تحقيق هداية الحيارى، قوبلت فيها مطبوعتان قديمتان على نسخة خطّها العالم الكبير إبراهيم بن أحمد بن عيسى سنة 1252هـ، وصُحّحت أخطاء المطبوعتين، وسُدّ السقط. الرابع: د.دغش العجمي، حقّق كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقال مقدّمة تحقيقه: (كتاب التوحيد لم يُخدم)أهـ، ووضع بعد ذلك علامة استفهام، ثم علامة تعجّب، مع أنّ كتاب التوحيد مصُحّحٌ في مكة سنة 1343هـ/ 1925م، ثمّ قوبل وصُحّحَ سنة 1345هـ على أيدي ثلاثة علماء كبار في المملكة العربية السعودية، وطُبع في مطبعة المنار على نفقة الملك عبد العزيز، ثمّ قوبل المطبوعُ الـمُقابلُ الـمُصحّحُ بنسخةٍ خطّيّةٍ مُعتبرةٍ عند العلماء كالشيخ إسماعيل الأنصاري، وعند جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعند أكاديميين أوعزت لهم الجامعة خدمةَ كتاب التوحيد، وطبعت تحقيقهم له، ونشرته مجاناً. بل إنّ د. دغش خصّص المطبوعاتِ الرسمية بالذكر، فقال: (حتى المطبوعات الرسمية لهذا الكتاب؛ كانت تخرج من غير اعتماد لأيّ نُسخ خطّيّة)أهـ، ثم وضع علامة تعجّب(10). إنّ واجب الدلالةِ على حراكِ آبائنا وأجدادنا الحضاريّ والعلميّ يُحتّم على السعوديين تدوين تاريخهم بأمانة، وعدلٍ، وشموليةٍ يُجمع بها أبطالُ حكاية مجدٍ: ملكٌ، وعلماءٌ، وتجّارٌ أبرارٌ، ومجتمعٌ فقيرٌ يخافُ من عودة ماضٍ أليم، ويؤمّلُ في غدٍ واعد، ويتحفّزُ للتقدّم ومُسابقة الأمم. وإذا لم تنعكس نتائج التدوين المبرهنة على إجراءٍ علميٍّ نظاميٍّ لقبول الدراسات وتحقيق كتب التراث ونشرها؛ ضعفت الجدوى من التدوين. وخير ما يُثري التدوين ويقوّي جدواه لمعالجة ظاهرة الغمطِ والتعامي؛ تتبّعُ حراك مطبوعاتِ كتب التراث، وحراكِ مخطوطاتها، والتساؤلُ مع التتبّع: لماذا لم تُذكر النّسخةُ الخطّيّة الوطنيّة ضمن ما ذُكر من المخطوطات؟ ولماذا يُخفى ذكرُ مطبوعةٍ وطنية في سياق ذكر المطبوعات؟ وما الذي أضافه من أعاد عمل علماء وطني السابقين؟ ولماذا زُحْزِح عمل علماء وطني السابقين عن مشهد حراك كتاب وهو مخطوط، وعن مشهد حراك كتاب مطبوع؟ وخيرُ ما يُثري الشمولية في التدوين كتاباتُ معاصرين للحُقب الـمُستهدفة؛ كحمد الجاسر في (سوانح الذكريات)، وعبد الكريم الجهيمان في (مذكّرات لا ذكريات)، كلاهما وفد على الرياض في عشر الخمسين وثلاثمائة وألف لأجل طلب العلم، وفي كتاباتهما براهينُ وجود أبطالٍ أسهموا في دفع الحركة العلمية، مثل: أهل الرياض الذين عطفوا على ذوي الفاقة من طلبة العلم الوافدين، وهيئوا لهم سُبُل المعيشة، وإذا أولمَ أحدُهم؛ آذنَ مجاوريه من الطلبة. ومثل بيوت الأُسر المالكة الكريمة، قلّ أن يوجد منها بيتٌ لا يُقرأ فيه القرآن بعد المغرب، وكان طلبة العلم المكفوفون كُثُرا بسبب وباء الجدري، ويتناوبون على قراءة القرآن في بيوت الأمراء، ويصلّون بأهلها تراويح رمضان، وتعطف عليهم تلك البيوت(11)، وأحسب أنّ مجالسة المدوّنِ لمدركين مراحل التغيّر ومشاقّها؛ يُسهم في إثراء الشموليّة أيضاً، ولقد دأبتُ على ذلك جَهدي، وجالستُ بعضهم، وأفدت منه، مثل الشيخ عبد الرحمن بن محمد الموسى المولود سنة 1357هـ، كنت أتردّد عليه، وثوّرت ذاكرته مرّةً، فأسهب، وفصّل، وقال في فضل الملك عبد العزيز: (انتشلنا من الفقر، ورغّبنا في العلم، ورتّب لنا مرتّباتٍ شهريّة ونحن ندرس)، وانتهى المجلس، ولم أدوّنه، فطلبت على استحياءٍ كتابته، واعتذرت عن الكتابة بإنصاتي له، ورؤيتي عينيه وهو يخاطبني، فتبسّمَ الكريمُ، وكتب: (لـمّا ظهر البترول أُفتتحت المعاهد العلميّة في الرياض وغيرها بأمر من الملك عبد العزيز وإشراف مباشر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، والتحَقَتْ مجموعاتٌ من أبناء البلدان بتلك المعاهد، وتعلّموا العلم، وقُرّرت لهم مكافآت ماليّة، وأنا منهم، حيث التحقت بالمعهد العلمي بالرياض سنة 1372هـ، وصُرف لي مكافأة مبلغ 290 ريال شهريّاً، وأوّل مكافأة استلمتها كانت لثلاثة أشهر دُفعة واحدة (870 ريال)، فعمدتُ إلى السّوق، واشتريت كيس رزّ، وكيس سكّر، وكلّا منهما يزن 70 وزنة = 100 ك، وصندوق شاي كبير 15 وزنة = 20 ك تقريباً، وتنكة سمن أبو شوكة وملعقة، وقهوة، وهيل، وبطانيتين، ورداءين، وأرسلت ما اشتريته في سيارة آل منيف التي تسير بين الرياض وأشيقر تلك الفترة، وسلّمت أُجرتها لوكيلها مسلّم الحصان، وأعطيته 3 ريال له خاصّة لينقلها إلى بيت الوالدين فور وصولِ السيّارةِ بلدةَ أشيقر، ففرح وشكر، ولـمّا وَصَلت بيتَ الوالد؛ فرحوا واغتبطوا وسُرّوا، وانبهر جيرانهم في سوقنا (يعني سكّتنا)، وسرى الخبر إلى جميع أنحاء البلد، وقابلني رجل من كبار أهل أشيقر بعد صلاة الجمعة قادماً من الجبيل، فقال لي مُشجّعاً: (ونِعِم، وصلتنا علومك)، المهمّ أنّنا ودّعنا الفقر منذ استلامي مكافأة المعهد واستمراري في الدراسة، جزا الله الملك عبد العزيز والشيخ محمد بن ابراهيم خير الجزاء لقاء ما أسدوا إلى عموم ال مسلمين، وخاصّةً مثل هذه القُرى، فقد انتشلوا أهلها من الجهل والفقر، والحالة في أشيقر تتشابه إلى حدٍّ كبير بباقيلبلدان)أهـ(12). **__**__**__**__**__** الهوامش (1) يُنظر: مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، العقيدة، من ص354 إلى ص364. (2) يُنظر: د. أحمد الضبيب (حركة إحياء التراث)، العبيكان للنشر، الرياض، ط(1)، 1441هـ 2020م، ص39. (3) المرجع السابق، ص132-133. (4) عبد العزيز التويجري (لسراة الليل هتف الصباح)، ص620. (5) حمد الجاسر (سوانح الذكريات)، ص171. (6) عبد العزيز التويجري (لسراة الليل هتف الصباح)، ص423. (7) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قسم العقيدة، ص8، 11، و50، و58، و87. (8) د. أحمد الضبيب (معجم مطبوعات التراث في المملكة العربية السعودية)، ص3. (9) المرجع السابق، ص5. (10) د. دغش العجمي، مقدمة تحقيق لكتاب التوحيد، (مكتبة أهل الأثر)، الكويت، ط(9)، سنة 1439هـ 2018م، ص(6)، و(53). (11) الجاسر (سوانح الذكريات) ص19-21، 172، و(الجهيمان) (مذكرات)، ص111-113. (12) قوله: (كيس)، يعني وعاء، و(تنكة) وعاء معدني يُحفظ فيه الزّيت، و(أبو شوكة) اسم لنوع من الزّيت، و(الهيل) مادّة تُضاف إلى مشروب القهوّة، وسيّارة آل منيف كانت مشهورة عند أهل بلدة أشيقر لتفرّدها، و(مسلّم الحصان) رجل من أهالي بلدة أشيقر كان في الرياض، وصحب سيّارة ابن منيف في عودتها إلى أشيقر، وقوله: (سوقنا)؛ فسّره بسكّتنا، يعني: الطريق الذي عليه بيته، وكلمة (ونعم) تُستعمل للمديح بقصد التشجيع على فعل أو تصرّف حميد، وقوله: (علومك)؛ يعني: أخبارك.