×
محافظة العلا

التحول الثقافي في ضوء رؤية 2030 - ناهد الأغا

صورة الخبر

«حامل الثقافة هو الإنسان، وحامل الحضارة هو المجتمع، و(معنى الثقافة) القوة الذاتية التي تكتسب بالتنشئة، أما الحضارة فهي قوة على الطبيعة عن طريق العلم، فالعلم وتكنولوجيا المدن كلها تنتمي إلى الحضارة.. وسائل الثقافة هي الفكر واللغة والكتابة.. وكل من الثقافة والحضارة ينتمي أحدهما إلى الآخر فالحضارة تعلم، أما الثقافة تنور، تحتاج الأولى إلى تعلم، أما الثانية فتحتاج إلى تأمل». كما أن للثقافة نصيبا ليس بالقليل من اهتمام العلماء والمفكرين حول تعريفهم لمفهومها، فهذا العالم الاجتماعي «ماليبوفسكي» يعرف الثقافة من وجهة نظره فيقول: «أنها الأفكار الإنسانية والعادات والتقاليد والنظم والقيم الاجتماعية لتحقيق الحاجات الأساسية، والضرورية داخل المجتمع ويفرض عليه نظام معين». أما الانثروبولوجي «تايلور» حدد مفهوم الثقافة بالاقتباس التالي: «تعبير عن شمولية الحياة الاجتماعية، وتتميز ببعدها الجماعي، والثقافة في نهاية الأمر مكتسبة» وبالتمحيص بما قيل من أقوال حول مفهوم الثقافة في خواطر المفكرين والعلماء نخلص إلى أن الثقافة بمفهومها المعقد والمركب تعني كل ما يخص السلوك الإنساني في الحياة المباشرة وما ينتج عنه من معلومات ومعارف، وهي تترجم بطرائق عيش المجتمعات وأساليب حياتها، ولعل أهم شيء من خصائص الثقافة أنها تبرز صورة هامة لحياة الشعوب السابقة. والثقافة لو نظرنا لها من زاوية البوح البياني لأدركنا أنها ترتدي ثوباً قشيبا بمعناها المترف، ويمكن القول بأنها: كل ما يضيء العقل، ويهذب الذوق، وينمي موهبة النقد.. وهذا الفيض من عذوبة المعاني يشتق من مشكاته «الشخص المثقف» أي الواسع الاطلاع.. وبالتالي فإن تعريف الثقافة بنتيجتها المبهرة يكون: «النظام الذي يشمل مجموعة من المعارف والإجراءات والمعتقدات والسلوكيات التي تنبثق وتتكون ضمن فئة معينة تتشاركها فيما بينها، وبالتالي فإن الثقافة التي يسعى لتكوينها شخص ما، يكون لها تأثير قوي على سلوكه». ولأن الثقافة هوية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، كان حرياً أن تشهد المملكة تحولات نوعية تعبر عن ثقافتها العريقة، فمن خلال رؤية 2030 التي تفردت بتحولات استثنائية في شتى مجالات الحياة حيث أولت الجانب الثقافي الحصة الأكبر لتعزيز جودة الحياة والحصول على التنمية المستدامة. وفي هذا المقام، نفرد الحديث في مقالنا الميمون على أهم التحولات الثقافية والاجتماعية التي عاشتها المملكة واقعاً جميلاً، ومدى تأثيرها على الهوية الوطنية للمجتمع السعودي. فالثقافة السعودية تمتلك تاريخاً عريقا وعلى مدى أزمنة طويلة، حيث كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعادات القبلية ومتأثرة إلى حد كبير بالعوامل الاجتماعية والجغرافية، وظهر هذا التأثير جلياً في فنونها الشعبية كرقصة «السامري والعرضة»، ولعل أهم ما يميز النسيج الأساس للمجتمع السعودي التمسك بقيم العائلة والأعراف والدين، وكان هذا واضحاً تماماً في الأدب لاسيما الأدب الجاهلي. وخير دليل على عمق أصالة التراث السعودي أنه ظل محافظاً على جوهره مع الأخذ بعين الاعتبار مواكبة جميع المتغيرات، مما جعله يشكل الجزء الأهم من الهوية الثقافية للمملكة. ومع إطلاق «رؤية المملكة 2030» والتي غايتها تبوؤ السعودية مصاف الدول المتقدمة، ولأجل النهوض بالقطاع الثقافي وجعله يواكب التطور الإقليمي والدولي، ومن أجل السعي الحثيث لجعل التراث السعودي والابتكار العالمي صنوان.. وبلوغ تلك الغاية الفريدة أنشئت هيئات مختصة.. كهيئة الثقافة، هيئة الترفيه، هيئة التراث، هيئة الأزياء، هيئة الموسيقى وغيرها من الهيئات.. حيث كان لبرامجها الإبداعية ومبادراتها الثقافية والفنية، وتنظيم فعالياتها ذات الطابع الابتكاري.. كل تلك الانشطة ذللت العقبات وسهلت الوصول إلى الغاية المنشودة. وعلى سبيل المثال لا الحصر وأبرز ما عزز تواجد المملكة على خارطة الحضارة والثقافة العالمية، ودمج عمق الأصالة بمواكبة الحداثة كان «مهرجان شتاء طنطورة» في محافظة العلا. وكان لقطاع السينما والمسرح صعوداً قوياً وملحوظا، فبعد غياب طويل كان للرؤية أثرها الرائع بعودة السينما السعودية بقوة عام 2018 . بشأن المسرح، أطلقت عدة مهرجانات وعروض مسرحية كان لها الأثر البالغ في تسليط الضوء على حكايا المجتمع السعودي المترفة بالأصالة وبطرق تفيض ابتكارا وإبداعا.. وجاء دور السينما ليكون لها قصب السبق في تعزيز الترفيه والثقافة.. الأمر الذي جعل منها منصة هادفة يعبر من خلالها عن الهوية الثقافية والاجتماعية، وباتباع الأثر الإيجابي لتلك الإجراءات والجهود ظهرت أفلام سعودية حجزت دورها الريادي على الساحة الدولية، وهذا ما عزز تواجد المملكة المتفرد في المهرجانات العالمية. وبتلك الجهود الحثيثة ظهرت بصمات رؤية السعودية على قطاعي السينما والمسرح فقد أصبح الأخير أداة أسهمت في تعزيز التعبير الثقافي والحوار الاجتماعي وكلاهما أي «السينما والمسرح» يقدمان محتوى مميزا أثرى المشهد الثقافي المحلي، وكان له الدور البارز في التوازن بين التوعية والترفيه. وكان للرؤية بصماتها المضيئة على دور المرأة والشباب، انطلاقاً من كونهما الركيزة الأساسية التي تستند عليها التحولات الثقافية السعودية، فبرز دور المرأة جلياً وبقوة في مجالات عدة كالفنون والثقافة والسياسة والأدب وغيرها، وإنفاذا لما تقتضيه الرؤية بتعزيز دورها وتمكينها لتصبح حقيقة واقعة وفاعلة في المجتمع، حيث برزت المرأة السعودية كمخرجة وكاتبة وفنانة وأدبية وشاعرة، مما ساهم في إثراء المشهد الثقافي الحديث. أما الشباب فهم الكنز الثمين والقوة الدافعة للتحولات الثقافية الجديدة، فدور الشباب يقتضي تبني الأنماط الفنية الحديثة دون المساس بالتراث السعودي الأصيل لأنه أولوية يتوجب الحفاظ عليه.. ولعل خير مثال على جهود المملكة في هذا الشأن إدراج «مدائن صالح» ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، أما الفعاليات الكبرى التي برز فيها دور الشباب هو «موسم الرياض» الذي عنوانه انفتاح المملكة الكبير وعرض فعالياته الإبداعية للعالم كجزء من الهوية السعودية المتفردة. ومن كل ما سبق وما عرضناه من الفعاليات الثقافية في ظل رؤية السعودية 2030 والتي تسير بخطى واثقة نحو تعزيز مكانتها كمنارة ثقافية مع الحفاظ على تراثها ذي الأصالة كما أسلفنا ذكره، حري بنا ذكر أن تلك الفعاليات والأنشطة ساهمت بقوة برفد الاقتصاد السعودي وعززت تواجده في مقدمة الدول المتحضرة تقنياً وفنياً وثقافياً.