في قلب هذه الأرض، وبين صحراء ممتدة وسلاسل جبلية وسماء هادئة تحدث المتأملون، تنهض السعودية اليوم بصناعةٍ لم تعد تكتفي بدور المصدر للنفط، بل تصرّ على أن تستكشف كنوزها الأخرى وتزرع وتصنع و تقوم بكل شيء.. قد يقول قائل: «ماذا يمكن أن تصنعه أرض الرمال غير الأساطير؟» لكن السعودية قررت أن تصنع كل شيء، من السيارات الكهربائية إلى الأدوية، من قطع الطائرات إلى الخلايا الشمسية. صارت المصانع كأنها واحات باسقة تنبض بالحياة داخل المدن الصناعية، وفي أعماق الصحارى التي احتضنت عرق الأجداد. ليست القصة هنا مجرد أرقام أو مشاريع ضخمة تُدشَّن تحت الأضواء، بل هي حكاية رؤية بدأت بالخروج من صندوق الاعتماد على النفط وانطلقت لما ليس له حد.. الصناعة السعودية اليوم تحمل طابعًا وجوديًّا؛ إنها إثبات أن بإمكان الإنسان أن يحول الرمل إلى معدن، والفكرة إلى واقع. تصحيح: فبعد حكاية مدينة الجبيل، التي تحولت من مدينة صيد صغيرة إلى أكبر مجمع صناعي على وجه الأرض. ومدينة نيوم التي تُبنى اليوم وكأنها جزء من رواية خيال علمي، بمصانع ذكية لا يعلو فيها صوت المحركات، بل تصدح فيها لوحات التحكم الرقمية والروبوتات. سنحكي حكاية تقول إنه ليست المصانع وحدها التي تُبنى، بل تُبنى معها ذهنية جديدة. فكرة أن الصناعة ليست مجرد إنتاج سلعة، بل خلق قيمة. تخيل أن في معمل صغير في الرياض، شابًا يطوّر طابعة ثلاثية الأبعاد تُستخدم في طباعة أطراف صناعية للأطفال. وفي جدة، معمل آخر يصنع معدات طبية كان السعوديون يستوردونها لعقود. لم تعد السعودية تصنع لأجل السوق فقط، بل تصنع لأجل الكرامة، ولأجل الحلم، ولأجل أن تترك أثرًا. كل مصنع هنا له لغته. هناك من يتحدث لغة الحديد المنصهر في مسابك المعادن، وهناك من يهمس بلغة الضوء في مصانع الألواح الشمسية. الصناعة في السعودية تشبه قصيدة موزونة، حيث تتعانق أصوات الشاحنات، وصافرات الأفران، وأزيز خطوط الإنتاج، لتصنع إيقاعًا يعيد تعريف معنى الحياة في هذه الأرض. الصناعة السعودية اليوم لا تنظر للخلف؛ هي تفكر في اقتصاد الهيدروجين، والذكاء الصناعي، والروبوتات التي ستبني مصانعها بنفسها. هي تحلم بمدن صناعية خضراء، تنام فيها المصانع بين أشجار النخيل، وتعمل بالطاقة الشمسية، وتمكنت من حفر اسمها في قائمة الدول التي تصنع ولا تستهلك فقط. واليوم.. السعودية تعلن رسميًا بدء صناعة الطائرات كخطوة تاريخية نحو اقتصاد جوي متكامل؛ فقد كشف نائب وزير الصناعة لشؤون الصناعة، خليل بن سلمة، عن دخول السعودية رسميًا إلى قطاع صناعة الطائرات، لتصبح واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي تخطط لتأسيس منظومة متكاملة تشمل تصنيع مكونات الطائرات وصيانتها، بل وحتى توطين صناعات الطيران المتقدم. جاء هذا الإعلان خلال أعمال منتدى الصناعة السعودي الذي عُقد في الظهران، حيث أوضح بن سلمة أن المملكة تخطت مراحل التحضير إلى التنفيذ الفعلي لمشروعات جديدة في قطاع صناعة الطيران، ضمن الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي تستهدف تكامل القطاعات الرئيسية من البتروكيماويات إلى صناعة السيارات، والآن إلى الطيران. سبق هذا التصريح تدشين أول مدينة صناعية لصناعة وصيانة الطائرات في مدينة جدة، على مساحة تتجاوز 1.2 مليون متر مربع، والتي صممت لتضم مصانع لمكونات هياكل الطائرات من الألمنيوم والتيتانيوم، إضافة إلى ورش متخصصة لصيانة الطائرات هذا المشروع، الذي انطلق ضمن ملتقى صناعة الطيران في فبراير الماضي، جذب اهتمام شركات عالمية وإقليمية في قطاع الطيران، وبدأت بعض الشركات السعودية بحجز مواقعها لإقامة ورش صيانة وتجميع للمكونات الجوية. المملكة بدأت كذلك في إصدار تراخيص صناعية جديدة تشمل أنشطة إنتاج إلكترونيات الطيران، معدات الهبوط، مكونات محركات الطائرات، وأنظمة الطائرات المسيرة. وتهدف الوزارة من هذه الخطوات إلى خلق بيئة صناعية متكاملة تدعم قطاعات النقل الجوي، والدفاع، والصناعات المدنية، وتقلل الاعتماد على الواردات. هذا التحرك يعكس انتقال السعودية من دور المستورد والمستهلك للتكنولوجيا الجوية، إلى فاعل إقليمي يمتلك سلسلة إمداد متكاملة لصناعة الطيران، بالتعاون مع أكبر شركات العالم، وهو ما يتسق مع طموحات رؤية السعودية 2030 لتنويع مصادر الدخل وتعزيز مكانة المملكة كمركز صناعي ولوجستي متطور. الأيام القادمة ستشهد إعلان مزيد من المشروعات والمصانع، وخططًا لتوطين تقنيات جديدة في مجال هياكل الطائرات ومحركاتها والطائرات المسيرة، ما يؤسس لصناعة جوية وطنية واعدة تسير بخطى واثقة نحو المستقبل.