×
محافظة الخبر

قرية من الفضة

صورة الخبر

ذكر ابن الجوزي في كتاب المنتظم قال ((أنبأنا مُحَمَّد بْن طاهر، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التنوخي، عن أبيه، قال: حدثني أَبُو الفتح أَحْمَد بْن عَلي بْن هارون قال: قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: كَانَ [ابن] عمي أَبُو الْقَاسِم يُوسُف بْن يحيى بْن عَلي حسن الإقبال محفوظا، وكانت له داية تسمى "نظم" فخدمت السيدة المقتدر"توفي سنة 320 للهجرة" وخصصت بها حتى صارت إحدى قهارمتها التي تجري على يديها الصغير والكبير فرفعت أبا الْقَاسِم وانتهت به إلى أسنى الأرزاق وأوسع الأحوال، وأخرجت له الصلات حتى تأثلت حاله [بذلك] وصار صاحب عشرات ألوف دنانير، وخلطته بخدمة السيدة، فعزم أَبُو الْقَاسِم على تطهير ابنه فأنفق في وليمته ما لم يسمع بمثله حتى أفردت عدة دور للحيوان، وعدة دور للفاكهة، وأنفق ألوف دنانير وبلغ نظم خبره، فجاءته من عنده السيدة بأموال عظيمة معونة له على التطهير، وحملت له من عندها من الفرش والآنية والثياب [والمخروط] بألوف فلما مضت أيام قالت لها: يا نظم! أيش خبر طهر ابن يُوسُف؟ قالت: يا ستي قد بقيت عليه أشياء يريدها، فقالت: خذي ما تريدين واحمليه إليه، فجاءت نظم إليه فقالت: إن كَانَ [قد] بقي في نفسك شيء [فعرفني] فَقَالَ لها: الطهر غدا ما بقي في نفسي شيء إلا وقد بلغته لك، وقد بقي في نفسي شيء لست أجسر على مسألته، فقالت: قل ما في نفسك، فإن أمكن وإلا فليس يضرك ، فقال: أشتهي أن أعار القرية الفضية التي عملت لأمير المؤمنين ليراها الناس في داري ويشاهدوا ما لم/ يشاهدوا مثله فيعلموا ما محلي من الاختصاص والعناية، فوجمت وقالت: هذا شيء عمله الخليفة لنفسه! ومقداره عظيم، وفى [هذه] القرية مائتا ألوف دراهم، ولا أحسب جاهي يبلغ إليها، وكيف يستعار من خليفة شيء! أو متى! سمع بخليفة يعير، ولكن أنا أسأل السيدة في هذا، فإن كَانَ مما يجوز وإلا عرفتك. ومضت فلما كَانَ من الليل جاءتني وقالت: إن إقبالك قد بلغ إلى أن يحب أن تحمد الله عليه! فقلت: ما الخبر؟ فقالت: كل ما تحب! قد جئتك بالقرية هبة لا عارية وجئتك معها بصلة ابتدأ لك بها أمير المؤمنين من غير مسألة أحد، فقلت: ما الخبر؟ قالت: مضيت وأنا منكسرة القلب آيسة من أن يتم هذا، فدخلت على هيئتي تلك على السيدة فقالت: من أين؟ قلت: من عند عبدك يُوسُف، وهو على أن يطهر ابنه غدا، قالت: أراك منكسرة، قلت: ببقائك ما أنا منكسرة، قالت: ففي وجهك حديث، فقلت: خير، قالت: بحياتي ما ذاك؟ قلت: قد شكر ما عومل به [ودعا] وقال: [أبي] كنت أحب أن أتشرف بما لم يتشرف به أحد قبلي، ليعلم موضعي من الخدمة، قالت: وما هو؟ قلت: يسأل إن يعار القرية ليتجمل بها ويردها من غد فأمسكت، ثم قالت: هذا شيء عمله الخليفة لنفسه كيف يحسن أن يرى في دار غيره؟ وكيف يحسن أن يقال إن الخليفة استعار منه بعض خدمه شيئا ثم استرده منه؟ وهذا فضيحة! كيف يجوز أن أسأله هبتها له لأني لا أدري قد ملها وشبع منها أم لا، فإن كَانَ قد ملها فقيمتها عليه أهون من أن يفكر في ثمنها وإن كَانَ لم يملها لم آمن أن أفجعه بها وسأسبر ما عنده في هذا! ثم دعت بجارية، فقالت: اعرفوا خبر الخليفة، فقيل لها: هو عند فلانة، فقالت: تعالي معي، فقامت وأنا [معها] وعدة جوار حتى دخلت، وكانت عادته إذا رآها أن يقوم لها قائما ويعانقها ويقبل رأسها ويجلسها معه في دستة، قالت: فحين رآها قام وأجلسها معه، وقال لها: يا ستي- وهكذا كَانَ يخاطبها- ليس هذا من أوقات تفضلك وزيارتك فقالت: ليس من أوقاتي ثم حدثته ساعة، وقالت: يا نظم متى عزم ابنك يُوسُف على تطهير ابنه؟ قلت: غدا يا ستي، فَقَالَ الخليفة: يا ستي إن كَانَ يحتاج إلى شيء آخر أمرت به، فقالت: هو مستكف داع، ولكن قد التمس شيئا ما أستحسن خطابك فيه، قَالَ: أريد أن أشرف على أهل المملكة كلهم ويرى عندي ما لم ير في العالم مثله! قَالَ: وما هو؟ قالت: يا سيدي يلتمس أن تعيره القرية، فإذا رآها الناس عنده ارتجعت، فقال: يا ستي هذا والله ظريف، يستعير خادم لنا شيئا، وتكونين أنت شفيعة فأعيره ثم ارتجعه هذا من عمل العوام لا الخلفاء، ولكن إذا كَانَ محله من رأيك هذا حتى قد حملت على نفسك بخطابي فيه وتجشمت زيارتي وأنا أعلم أنه ليس من أوقات زيارتك، فقد وهبت له القرية فمري بحملها بجميع آلاتها [إليه] وقد رأيت أن أشرفه بشيء آخر، قالت: وما هو؟ قَالَ يحمل إليه غدا جميع وظائفنا ولا يطبخ لنا شيء البتة، بل يوفر عليه ويؤخذ لنا سمك طري فقط، فأمرت بنقل القرية وقالت: [قولي] ليوسف ما تصنع بالوظيفة؟ فَقَالَ والله ما أحتاج إلى ملح إلا وقد حصلته، فإن حملت إلي لم أنتفع بها! فخذي لي ثمنها من الوكلاء، فأخذت وَكَانَ مبلغ ذلك ألفا وستمائة دينار وهي وظيفة كل يوم، وقالت اقتصر الخليفة لأجلك اليوم على السمك فاشترى له سمك بثلاث مائة دينار، وكانت القرية على صفة قرية مثال البقر والغنم والجمال والجواميس والأشجار والنبات والمساحي والناس وكل ما يكون في القرى)). استفدت هذه الفائدة من الدكتور صلاح الدين المنجد رحمه الله.