قبل عام بالتحديد؛ نشرت لي صحيفة “العرب” اللندنية مشكورة مقالة عنوانها “رغم حرب الإبادة، حماس تمارس هواياتها” تحدثت فيها عن قمع حماس لمنتقديها ومعارضيها السياسيين عموما وعن حادثة تكسير حركة حماس لأطراف الناشط أمين العابد خصوصا. مرّ عام كامل وحال الحول كما نقول بالعربية الفصحى، وحماس مازالت تفتك بالمناوئين وتحطّم أطرافهم وتطلق النار على أرجلهم وتخوّن وتشتم بلا حسيب أو رقيب. ومن جانب آخر جرت دماء كثيرة خلال السنة التي مرّت بسبب حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل ضد العائلات الفلسطينية المسالمة، حيث شطبت عائلات بأكملها من السجل المدني وكأنها لم تكن، ومسحت مناطق سكنية كاملة، وحسب تقارير دولية تم تدمير 80 في المئة من البيوت والعمارات في قطاع غزة، بشكل كامل أو بشكل لا يجعلها صالحة للسكن. ولا توجد عائلة من دون قتلى وجرحى. ودُمّرت البنى التحتية وكل المدارس والمستشفيات والجامعات وأُصيبت معظم المساجد والكنائس، واستشهد أكثر من 60 ألفاً، ويُعتقد أن العدد يمكن أن يصل إلى 100 ألف عندما تهدأ الحرب ويبدأ التحقيق في نتائجها، ما دفع الصحافة الإسرائيلية اليسارية للقول إن الدمار الذي حصل في مدينة رفح وحدها، يفوق الدمار الذي أحدثته القنبلة النووية التي أُلقيت على هيروشيما. إذا، تعرف إسرائيل تماما ماذا تفعل في قطاع غزّة، ومن اليسير جدا ملاحظة البون الشاسع بين حروب إسرائيل في المنطقة التي استهدفت بها إيران وأذرعها من قصف وقتل؛ لأهداف عسكرية وبشرية منتقاة وواضحة بشكل كبير لأيّ مراقب. وإذا عكسنا المرآة على فلسطين، لوجدنا أن حرب الإبادة الإسرائيلية الشّاملة ضد الشّعب الفلسطيني تلجُ أعنف مراحلها وأشرس تطوراتها، محققة أهدافا يمينية أكثر تطرفا من ذي قبل، استغلت فيها انشغال العالم بأسره في الحرب التي وضعت أوزارها حديثا، وكما نقول إن عدسة الكاميرا مسلّطة على إيران والزوم على طهران، مع الأخذ بعين الاعتبار الرغبة العارمة للإعلام العبري المتطرف والمتجلّية بصرف النظر عن المجازر الجماعية في غزة التي ترتكب والدماء التي تسفك كي لا تكون الخبر الأوّل على شاشات التلفزيون وتجميد التفاعل العالمي مع الضحايا الفلسطينيين. وبما أن لكل حرب غايات محددة وأهداف معلنة تسعى لتحقيق نتائج مخطط لها مسبقا، وتنتهي بتحقيق النتائج المرجوّة مع حساب توازن القوى والردع، لم تحقق حماس ذرّة واحدة من أهدافها وأتت مغامرتها بنتائج كارثية أدّت إلى انتقاد القيادي الحمساوي أحمد يوسف للحركة ذاتها، فكلما زادت الكارثة زاد الانتقاد وكلما تراكمت الهزائم وتكاثرت النكبات تعالت الأصوات المنتقدة. في غزّة الكسيرة وحين كانت الطائرات الإسرائيلية تلقي بجحيمها على خيام الفلسطينيين والأطفال يتزاحمون للحصول على غَرفة حساء أو رغيف خبز بدلا من المزاحمة أمام أبواب المدارس لتلقي العلم وتحصيل المعرفة؛ كرر أزلام حماس ما فعلوه بالناشط أمين العابد مع الصحافي المعروف عمر عبدربه، وفي مساء يوم الاثنين الموافق 8 – 6 – 2025، في تمام الساعة 8:30 مساءً، في منطقة النصيرات، تعرّض عبدربه لاعتداء وحشي من قبل عناصر يتبعون لحركة حماس وقاموا بسرقة جواله، وذلك على خلفية آرائه ومقالاته المنشورة عبر الإنترنت، والتي تعبّر عن مواقفه ووجهات نظره السياسية، ما دفعه لكتابة منشور في صفحته الشخصية على منصة إكس قال فيه “أعلن توقفي عن الكتابة مؤقتًا، حفاظًا على حياتي الشخصية وسط التهديدات المتواصلة. حتى إشعار آخر، الكلمة مؤجلة.. لكنها ستبقى حرّة.” أمّا الأسير السابق والمحلل السياسي الشهير عصمت منصور، الذي أمضى عشرين عاما في سجون الاحتلال وخرج بإفراجات قدماء الأسرى التي نفذها الرئيس الفلسطيني، تعرّض للاتهام بالعمالة من جانب أحد أذرع حركة حماس الإعلامية والتي مازالت تمجّد إيران وتتحدث عن انتصاراتها الدونكشوتية، حيث قام أحد المواقع المحسوبة على حماس بكتابة تقرير عن الأسير السابق واتهمه بأنه بوق ضد المقاومة؛ عقابا له بعدما انتقد بعض تصرفات حماس. ولأخذ العلم فإن منصور يقدم وجهة نظره بلا مواربة وينتقد تصرفات السلطة كما ينتقد تصرفات حماس ولا يتملق لأيّ طرف. وبدوره كتب الدكتور تيسير عبد من خيمته في قطاع غزّة وهو تعرّض سابقا لما تعرّض له منتقدو حماس من تخوين وشيطنة واتهام بالعمالة على صفحته الشخصية على فيسبوك “كثيرة هي الصفحات المشبوهة التي تعمل في الظلام. دون عناوين. أو أسماء لإدارتها وصحافييها. وهي تتقاطع مع الاحتلال الإسرائيلي وقوى الظلام. آخرها هذه الصفحة التي تحمل اسم ‘شبكة الصحافة الفلسطينية‘. البعض يظن من اسمها أنها شبكة ومعروفة. لكن في الحقيقة هي مجرد اسم وهمي لا أحد في فلسطين يعرفها. ولا يعرف عنها شيئا.” وبعدما وصل الانهيار في الثقافة السياسية الحمساوية حدًا بات فيه المناضلون الذين دفعوا أثمانًا باهظة من أعمارهم يُساء لهم ويُفترى عليهم، الأمر الذي أثار ردة فعل غاضبة من قبل الكثير من المثقفين والصحافيين والإعلاميين؛ ومن أجل حرية الرأي والدفاع عن المناضل والكاتب عصمت منصور تم توقيع بيان صادر عن كُتاب وصحافيين فلسطينيين في الوطن والشتات دفاعًا عن الحق في الاختلاف والاجتهاد السياسي، وصونًا لما تبقى من حيوية العقل الفلسطيني. من تطاله يد حماس سيتعرض للتكسير والضرب والسرقة والأذى الجسدي مثل ما حدث مع عمر عبدربه، ومن لا تطاله يد حماس سيطاله لسان حماس التخويني عبر إعلامها الموجّه، ولا يشفع له تاريخه النضالي حتى ولو أمضى عقدين زمنيين في الأسر كما حصل مع عصمت منصور.