×
محافظة مكة المكرمة

على خطاه مشروع حضاري بامتياز - مشعل الحارثي

صورة الخبر

من تباشير عامنا الهجري الجديد 1447هـ انطلاق أحد المشاريع الحضارية التوثيقية المهمة الذي طالما انتظره العالم الإسلامي بشوق وترقب منذ زمن بعيد وهو مشروع مسار «درب الهجرة النبوية»، وتجربة «على خُطاه» التي تحاكي الدرب التاريخي الذي سلكه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في العام الأول للهجرة (622م) بدءاً من غار ثور بمكة المكرمة وانتهاء بمسجد قباء بالمدينة المنورة، وبطريقة تفاعلية حية، والذي من المقرر انطلاقة بمشيئة الله في شهر ربيع الأول من عامنا الهجري الحالي - نوفمبر 2025م ويأتي هذا المشروع في إطار الجهود الوطنية الحثيثة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، من خلال تعزيز الهوية الإسلامية والثقافية، وتحسين تجربة الزوار من الحجاج والمعتمرين، والعمل المشترك بين برامج الرؤية لدعم المبادرات التنموية التي تسهم في بناء مجتمع حيوي ومزدهر. وبعد تكامل الفكرة والقناعة التامة بأهميتها وإمكانية تنفيذها فقد دشن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة، في يوم الاثنين 28 رجب الماضي 1446هـ هذا المشروع في احتفال أقيم بجوار جبل أحد، وحضره صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وعدد من المسؤولين وفيه أكد سموه بأن المملكة تولي المدينتين المقدستين عناية خاصة في إطار رعايتها للحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، مشيراً إلى المشاريع التطويرية فيهما وما يحيط بهما من مواقع تاريخية، تأتي ضمن جهود الدولة لتعزيز ارتباط الزوار بالسيرة النبوية، والإسهام في إثراء رحلتهم، وتعميق تجربة زيارتهم للبلاد، كما شهد سموه في هذا الاحتفال توقيع اتفاقية المشروع بين كل من هيئة الترفيه، وهيئة تطوير منطقة المدينة المنورة، ووزارة السياحة، وبرنامجي خدمة ضيوف الرحمن، وجودة الحياة، وشركة صلة. وبلغة الأرقام فإن مسار مشروع درب الهجرة النبوية على خطاه يمتد لمسافة (470) كلم ويضم (41) معلما تاريخيا، و(5) مواقع لقصص الهجرة، و(8) محطات مبيت في الأماكن التي بات فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، و(30) مطعماً، و(50) متجرا، وحسب الدراسات فمن المتوقع أن يسلكه يومياً ما يقارب (12) ألف زائر، وتستغرق الرحلة في المتوسط (9) أيام باستخدام الخيل، والإبل، أو المشي على الأقدام. ومما يعكس أهمية هذا المشروع ما أعلنه معالي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ بأن عدد طلبات المشاركة في هذا المشروع تجاوز (300) ألف طلب مؤكد من ثلاث دول هي: ماليزيا، وتركيا، وسنغافورة. ولعل من ضمن المحرضات على خروج هذا المشروع لأرض الواقع ما سبقه من جهود استكشافية علمية وبحثية قامت بها بعض الفرق التطوعية، سواء بصفة فردية أو حكومية أو جماعية وعملت بكل صدق وأمانة وحرص للتحقق من المسار الصحيح لطريق الهجرة النبوية، استناداً إلى الكثير من المصادر التاريخية والجغرافية وسكان هذه المناطق ووقفوا ميدانياً عليها لعدة أيام، وتعرضوا خلالها للكثير من المصاعب والمتاعب والمشاق في سبيل ذلك. وعلى راس كل تلك الجهات تقف دارة الملك عبد العزيز التي اهتمت بهذا الأمر وأطلقت في شهر يونيو الماضي مشروع «الأطلس التاريخي للسيرة النبوية» رقميًا، وهو مشروع يسلط الضوء على جوانب السيرة النبوية التاريخية والحضارية الحديثة باستخدام خدمة الاتصال الدقيقة، والإحداثيات الجغرافية، بالإضافة إلى تقديم محتوى معرفي بصري متنوع عبر أجهزة التواصل الاجتماعي، ومن خلال نشر خرائط تفاعلية، ومواد مرئية، وتصاميم معلوماتية (إنفوجرافيك)، تستعرض مسارات الهجرة وأحداثها المختلفة. وقد سبق ذلك مشروع طريق القوافل من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة الذي اهتدى فيه الباحث الدكتور عبد الله حسين القاضي من خلال عمله الميداني إلى اكتشاف عشرات الأميال الحجرية التي تمثل علامات أرضية للاسترشاد بها على طريق القوافل والدلالة على المسافات وتحديد الاتجاهات والذي تطلق عليه بعض كتب التاريخ والبلدانيات «درب الأنبياء» أو «الجادة العظمى»، وقد قام الباحث بتوثيقها في كتابه الضخم، ومشروع وكتاب هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بالتعاون مع مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة الذي صدر بعنوان (أطلس طريق الهجرة النبوية) لكل من معالي الدكتور زهير نواب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية، والدكتور المهندس جمال شوالي والجيولوجي محمد حامد الرحيلي، وكذلك كتاب طريق الهجرة النبوية للدكتور عبد المحسن بن فلاح الأسلمي والمزود بخريطة تفصيلية لمسار الهجرة، وغيرها من الدراسات والبحوث على مستوى الجامعات السعودية وما كتبه الكثير من أدباء ومؤرخي المملكة العربية السعودية من كتب ومعاجم جغرافية توثق لهذا المسار التاريخي المهم في حياة الأمة الإسلامية. وبدون شك فإن هذا المشروع سيمثل تجربة استثنائية فريدة من نوعها في عرض تراث المملكة الإسلامي والعربي والوطني بطريقة مبتكرة والتعريف به للعالم أجمع. وهو ما يدعونا جميعاً لبذل كل الجهود وتضافرها للمحافظة على هذه الكنوز التاريخية والتراثية الثمينة التي تزخر بها بلادنا وتسخيرها لربط الأجيال بالدين والتراث الغني بالمثل والمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة.