×
محافظة الرياض

لماذا التشكيك في أهمية الأنظمة التخطيطية للمدن وأدلتها العمرانية؟ - د. سامي بن عبدالله الدبيخي

صورة الخبر

بالرغم من الأهمية القصوى للتخطيط العمراني وأنظمته، فإن هناك في كل مجتمع من يشكك في دور التنظيمات التخطيطية في تحقيق التوازن العمراني والتنمية، وهذا ما أشار إليه مؤخراً مخطط المدن ماركوس سبيلر Marcus Spiller@ المختص والممارس للاقتصاد الحضري في مقاله القيِّم «ماذا قدمت التنظيمات التخطيطية لنا؟ What has planning regulation ever done for us» والذي وضح فيه الدور الحيوي للتخطيط في تحقيق منافع اجتماعية وبيئية واقتصادية وعمرانية لا يمكن تحقيقها في غيابه، وقد استفدت كثيرا بالعمل معه في مدينة الرياض ومدينة ملبورن. ولا شك أن الأنظمة التخطيطية والضوابط العمرانية أدوات أساسية لإقامة بيئات عمرانية تضمن جودة الحياة واستدامتها خاصة في سياق تباين المدن في قضاياها الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية وتمايزها وخصوصيتها، وهنا يبرز دور الأحكام التنظيمية للأدلة العمرانية التي تراعي خصوصية كل مدينة بشكل خاص لتحقيق التوازن بين احتياجات السكان والحفاظ على شخصية المدن وهويتها الثقافية والدينية المتميزة لضمان تلبية متطلباتها الوظيفية، مع مراعاة التحديات المتفردة التي قد لا تُغطيها الأنظمة الوطنية العامة. وفي سياق المدن الدينية والثقافية على سبيل المثال فإن أنظمة التخطيط تساهم في رفع مستوى كفاءة أداء المدينة لوظائفها وضمان جودة الحياة من خلال حماية الموارد الطبيعية وتعزيز السلامة العامة وتيسير الإسكان وتسهيل الحركة والنقل والحفاظ على شخصية المدينة وهويتها الثقافية والدينية وتحسين كفاءة البنية التحتية. بتنظيم كل هذه العناصر وضبطها يضمن التخطيط الإدارة المستدامة للموارد وترشيد استهلاك المياه والطاقة ومعالجة النفايات، خاصة في المدن التي تستقبل سنويًا ملايين الزوار، كما يعمل التخطيط على تقليل المخاطر البيئية مثل الفيضانات من خلال تنظيم استعمالات الأراضي وتوجيه التطوير العمراني وحماية التراث العمراني وتطوير المنطقة المركزية قلب المدينة النابض، وضمان التوافق مع جوهر كل مدينة. كما تقوم التشريعات التخطيطية السليمة بتوجيه الاستثمارات في الطرق والنقل العام والخدمات لتلبية احتياجات السكان والزوار بكفاءة. وبالنظر لخصوصية كل مدينة وتحدياتها، فإنها بحاجة لوضع تنظيمات خاصة تناسب هذه التحديات وتتوافق مع وضعها المتميز وقضاياها الفريدة، وهنا تبرز أهمية العمل بمفهوم «الأنظمة القائمة على الأداء performance-based regulations» الذي أشار إليه سبيلر في مقاله والذي يركز على تحديد أهداف واضحة ومعايير قابلة للقياس لضمان تحقيق الأهداف المسطرة والنتائج المرجوة. ثم إن التركيز على أهمية الحفاظ على شخصية المدينة وهويتها لا يعني أبدًا عدم الانخراط في عصر التكنولوجيا واعتمادها كأداة حيوية في تبسيط عمليات تطبيق التنظيمات التخطيطية، لهذا فإنه من الضرورة بمكان أتمتة عمليات تقييم المشاريع واستخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي لإدارة تعقيدات العملية التخطيطية بكفاءة واقتدار. نافلة القول، لا غنى للمدن عن تطوير أنظمتها التخطيطية وصياغة أدلة عمرانية تطبيقية تراعي خصوصيتها وتلائم تحدياتها الفريدة لتعكس تطلعات سكانها وزوارها وتلبي احتياجاتهم، كما ينبغي ألا تكون هذه التنظيمات مجرد إطار إداري بل تتجاوزه لتصبح وسيلة لتحقيق الاستدامة والكفاءة العمرانية وضبط التنمية. ومن هنا فإن التنظيمات التخطيطية وأدلتها ليست مجرد قيود، بل هي أدوات تمكين تُسهم في جعل المدن تُحقق التوازن بين الأصالة والحداثة وبين أداء الوظائف وجماليات الشكل.