نعيش هذه الأيام ذروة العطلة الصيفية، ومع اشتداد حرارة الطقس تهفو النفوس إلى السفر لبلدان أو أماكن تتمتع باعتدال المناخ، سواء كانت داخل المملكة أو خارجها، ولا شك أن طول موسم الصيف يحفز على التفكير في كيفية عطلة صيفية تناسب الإمكانات المادية للأفراد والأسر. ولأن بلادنا حباها الله بمزايا سياحية فريدة، فقد رأيت أن أسجل هنا بعض خواطري حول أماكن سياحية في المملكة، خاصة «حبلة عسير» و»حبلة الهدا»، ومما شجعني أيضاً على ذلك الإعلانات المتكررة في شوارع مدينة جدة، والتي تقول»لون حياتك في جبال عسير». لقد زرت منطقة عسير أكثر من مرة، وتمتعت بأجواء «السودة»، وكانت تجربة ممتعة لي ولأسرتي، والحق أن منطقة عسير وما تضم من أماكن سياحية جديرة بالزيارة، وخاصة «الحبلة» القريبة من « أبها» والتي تعد اليوم متنزهاً سياحياً يحظى بالاهتمام الحكومي والترويج السياحي المتميز. منذ أيام قررت التخفف من حر جدة خاصة وقت الظهيرة، وتوجهت مع أسرتي إلى الهدا، فكان الاختلاف في درجات الحرارة لافتاً، الأمر الذي شجعني على مواصلة المسير إلى أعلى قمة في الهدا، والتي يعرفها أهل الطائف باسم «حبلة الهدا» أو «حبلان الهدا»، ويسمونها مجازاً «جبل لبنان» نظراً لتشابه طبيعة المكانين. هذه القمة ترتفع بأكثر من ألفي متر عن سطح البحر، ودرجة حرارتها تميل للبرودة في عز الظهيرة، مع نسمات هواء منعشة، وقد سعدت أثناء صعودي برؤية حافلتين عائدتين من «الحبلة»، واستنتجت أن ركابهما من المعتمرين، ولعل هذا يشجع وزارة السياحة على الاهتمام بسياحة ما بعد العمرة، خاصة وأن عدد المعتمرين بلغ في العام الماضي حوالي 17 مليون معتمر، يمكن أن يكون للسياحة حصة معتبرة من أعدادهم السنوية المتزايدة، وذلك بتعاون وزارة السياحة مع الجهات الرسمية الأخرى. والحديث عن «حبلان» أو»حبلة الهدى» المعروفة لدى أهل الطائف وضواحها، يقودني للمقارنة مع مثيلتها في منطقة عسير، والتي تبعد عن مدينة «أبها» بحوالي خمسين كيلومتراً، وأرى أن أوجه الشبه فيما يلي: أولاً: «حبلة عسير» توفر إطلالة فريدة ومتميزة على المرتفعات الشاهقة في منطقة عسير، وهي تقع على ارتفاع 2000 متر فوق سطح البحر، وهناك معلومات وفيرة عن متنزه «الحبلة» في الموقع الرسمي للسياحة السعودية. ثانياً: «حبلة الهدا» هي قمة على ارتفاع 2170 مترا عن سطح البحر، ولها إطلالة رائعة على طريق « الكر» الذي يربط «الهدا» بمكة المكرمة ووادي نعمان، وهو مكان سياحي، وقد كتب عن هذه القمة بعض الزملاء، حيث كتب الأستاذ « هاني اللحياني» الصحفي بجريدة الرياض تقريراً في 23-11-1446بعنوان (حبلان الهدا.. قمة تلامس السحاب) مع صور لهذه القمة بعدسة الأستاذ منصور الهذلي، وآمل أن يسلط الموقع الرسمي للسياحة السعودية الضوء على هذا المكان المتميز بموقعه ومناخه المعتدل في الصيف، بما يساعد على وضعه على خارطة السياحة السعودية. أما أوجه الاختلاف أرى أنها تتلخص في: أولاً: حظيت «حبلة عسير» بعناية مبكرة، وأدرجت ضمن خارطة السياحة السعودية في منطقة عسير، واعتبرت متنزهاً سياحياً جاذباً للسياح والمواطنين بفضل ما اشتملت عليه من مقومات حضارية تحافظ على البيئة الطبيعية، وبها مزايا عديدة تمكن الزائرين سواء من أهل المنطقة أو خارجها من قضاء أوقات ممتعة مع توفر خدمة «التلفريك» الذي يوفر إطلالة على الطبيعة الرائعة بالمنطقة، وعلى العديد من الحدائق والمتنزهات الترفيهية السياحية، التي يتوفر فيها خدمات المطاعم والمقاهي ودورات المياه، مع إمكانية التخييم على قمة الجبل ضمن شروط محددة، وكذلك توفير مقاعد مظللة للراحة والاسترخاء وسط الطبيعة الخلابة. ثانياً: أما حبلة الهدا فتقع أعلى قمة جبلية في مركز الهدا السياحي، والوصول إليها عبر مسار ضيق باتجاهين، وفي أعلى القمة نشاهد مسطحات كبيرة مازالت بكراً، مع تناثر جميل لأشجار الطلح والعرعر، ومن الملاحظ عدم توفر أماكن للجلوس في هذا المكان المتميز، وعدم وجود مقاه توفر المشروبات التي يحتاجها الزائر، ولا يجد الزائر الذي يرغب في قضاء وقت أطول سوى افتراش الأرض أو الجلوس داخل السيارة للاستمتاع بالمنظر والهواء المنعش البارد. هذا يقودنا إلى الحديث عن ضرورة وجود خطط مستقبلية لتطوير «حبلة الهدا» واستغلال مزايا هذا الموقع ووضعه على خارطة السياحة السعودية، الأمر الذي يدعم رؤية السعودية 2030 التي تطمح إلى تحويل بلادنا إلى وجهة سياحية عالمية، وهو ما تحقق بفضل من الله خلال السنوات الماضية. كذلك أتطلع أن تضع الخطط المأمولة لتأهيل هذه المنطقة سياحيا في اعتبارها سياحة ما بعد العمرة، فبالإضافة إلى ما ذكرته آنفا حول ذلك، كنت قد كتبت في هذه الجريدة الغراء منذ أشهر مقالاً بعنوان (سياحة ما بعد العمرة) تناول إمكانية أن يصبح المعتمرون سياحاً بعد قضائهم مناسك العمرة، خاصة مع تصاعد زيادة أعداد المعتمرين السنوية، ومع التقدم الكبير الذي تشهده بلادنا في وسائل النقل والإسكان وأماكن الترفيه والتسوق والتثقيف، خاصة المدن القريبة من الحرمين الشريفين، وأن يوضع في الاعتبار الأماكن القريبة من مكة المكرمة ومنها «حبلة الهدا» للاستمتاع بأجوائها ومناظرها الطبيعية الفريدة، وأن يكون هذا ضمن خطة سديدة وتعاون مثمر بين إمارة منطقة مكة المكرمة ووزارتي السياحة والحج والعمرة، وهي الجهات التي لديها الكثير من الخطط والمشاريع التي تسعى لازدهار السياحة، وإثراء تجربة الحاج والمعتمر، والاستفادة من الأعداد المتزايدة للحجاج والمعتمرين، فنسأل الله لهم جميعا التوفيق. ** ** - رئيس تحرير مجلة الحج والعمرة سابقاً