قد يستغرق إبرام صفقة التجارة بين الهند والولايات المتحدة وقتاً أطول مما كان متوقعاً، لاسيما بعد الرسوم الإضافية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب على الصادرات الهندية بنسبة 25 في المئة. لكن هناك بعض الأخبار السارة، بعد أن وقّعت الهندُ مؤخراً اتفاقيةَ تجارة حرة مع المملكة المتحدة. في ظل البيئة التجارية العالمية غير المستقرة الناتجة عن تصريحات الرئيس ترامب المختلفة، سارعت الهند إلى تسريع وتيرة مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الغربية. وترى الهند أن توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الدول المتقدمة يمنحها ميزةً لتصدير المنتجات كثيفة العمالة، مثل الأحذية والمنسوجات. وهذا من شأنه أن يدفع عجلةَ قطاع التصنيع في الهند ويوفّر فرص عمل، وفي الوقت نفسه يتيح للدول الأخرى فرصةَ الوصول إلى رابع أكبر اقتصاد في العالم. أصبحت اتفاقيات التجارة الحرة مهمةً، لأنها تتيح الوصولَ إلى العديد من الأسواق الكبرى حول العالم، وتساعد في الحفاظ على الامتيازات التفضيلية لتلك الأسواق، مما يعزّز الصادرات. وعلى الرغم من أن الهند والمملكة المتحدة تجريان مفاوضات لما يقرب من خمس سنوات للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة، فإن المناخ العالمي المتغير سرّع من وتيرة إتمام الاتفاق. ومن المتوقع أن تعزّز هذه الاتفاقيةُ التجارةَ الثنائية بين البلدين بقيمة 34 مليار دولار سنوياً. ومن القطاعات الهندية التي ستستفيد من خفض الرسوم الجمركية: المنسوجات، والمنتجات الجلدية، والأدوية. وفي دَفعة كبيرة لاقتصاد الهند، سيحصل المزارعون والشركات الهندية في قطاع الزراعة على فرصة دخول سوق الزراعة في المملكة المتحدة البالغ حجمه 37.5 مليار دولار. وتضمن الاتفاقية تصديرَ ما يقرب من 95% من المنتجات الزراعية الهندية دون رسوم جمركية. كما سيستفيد الصيادون من إعفاء جمركي كامل بنسبة 99% على الصادرات البحرية، مما سيزيد من دخلهم. وبالمثل، سيكون لدى الصيادين والمصدرين الهنود فرص أوسع للوصول إلى السوق البريطانية. وسيعود الإعفاء الجمركي على 99% من الصادرات البحرية بالفائدة على الولايات الهندية الساحلية مثل البنغال الغربية، وتاميل نادو، وكيرالا، وماهاراشترا، وجوجارات. وفي الوقت ذاته، نجحت الهند في حماية القطاعات الحساسة، خاصة قطاعها الزراعي، ولم تقدم أيَّ تنازلات جمركية في قطاعات مثل الألبان، والشوفان، والتفاح، والزيوت الصالحة للأكل. كما ستوفّر الاتفاقية للمستهلكين الهنود سلعاً عاليةَ الجودة بأسعار تنافسية. وتشمل الاتفاقية كذلك قطاعَ الخدمات، إذ ستفتح المجالَ بشكل أوسع أمام العمالة الماهرة الهندية. ويتضمن ذلك دخولاً أوسع للأسواق في خدمات تكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية والقانونية، والخدمات المهنية والتعليمية، والتجارة الإلكترونية. وضمن إطار الاتفاق نفسه، سيتم إعفاء 75 ألف مهني هندي من دفع رسوم التأمين الاجتماعي في المملكة المتحدة لمدة ثلاث سنوات. ومع ذلك، فهذه الاتفاقية لا تصبُّ في مصلحة الهند وحدها. فهي مفيدة للطرفين في ظل تزايد حالة عدم اليقين في التجارة العالمية، وتمثل بلا شك محطة مهمة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وتُعد هذه الاتفاقية أكثر صفقات التجارة طموحاً للهند منذ أكثر من عقد، وأول اتفاقية كبرى للمملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وقد استفادت بريطانيا أيضاً، إذ خفّضت الهند الرسوم الجمركية على العديد من السلع البريطانية. ستدخل سلع بريطانية، مثل الأجهزة الطبية وقطع غيار الطائرات والسيارات والشوكولاتة ومستحضرات التجميل، السوق الهندية برسوم جمركية مخفضة جداً، إذ سيتم خفض رسومها من متوسط 15% إلى حوالي 3%. وترى الهند أن نجاح مفاوضات اتفاقية التجارة مع المملكة المتحدة يُعد إنجازاً كبيراً. ورغم أنها تحاول عقد اتفاقيات مماثلة مع عدد من دول جنوب آسيا، فإن تفضيلها لعقد اتفاقيات مع الدول المتقدمة واضح. كما دخلت مناقشاتُها الطويلة الأمد مع الاتحاد الأوروبي مرحلةً حاسمة الآن، مدفوعةً بالحاجة الملحة لحماية المصدِّرين الهنود وتوفير فرص لهم. وكانت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بصفة خاصة أكثر تعقيداً واستمرت منذ عام 2007. وقد ظلّت الهند ممتنعةً عن تقديم تنازلات في قطاعات مثل الزراعة والأغذية، خاصة أن الصناعات المحلية تحظى بحماية عالية. وتُعد الزراعة قطاعاً حساساً في الهند، حيث يعتمد أكثر من 60% من السكان عليها بطريقة أو بأخرى، وغالبيتهم من صغار المزارعين. ويحظى القطاع بشبكة من الدعم والإعانات والرسوم الجمركية. وبالمقابل، يبدي الاتحاد الأوروبي حساسية تجاه مطالب الهند بتوفير فرص أوسع للعمال والخدمات الهندية، وهي قضايا سياسية حساسة، تفاقمت وسط صعود قوى اليمين المتطرف في عدة دول أوروبية. وبالنسبة للهند، فإن إبرام هذه الاتفاقيات ضروري أيضاً لجذب الاستثمارات والحفاظ على نمو اقتصادي سريع ولبناء سلاسل توريد قوية. وأشار تقرير حديث صادر عن «نيتي آيوج»، وهو مركز تفكير تابع للحكومة الهندية، إلى أن دولا مثل فيتنام وتايلاند وكمبوديا وماليزيا أصبحت المستفيد الأكبر من استراتيجية «الصين زائد واحد»، بفضل توقيعها السريع على اتفاقيات تجارة حرة، وانخفاض الرسوم الجمركية، وبساطة قوانين الضرائب. ووفقاً للتقرير، فإن فيتنام انضمت إلى 20 اتفاقية تجارة حرة، من بينها «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة»، وهي اتفاقية تجارة حرة بين 15 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تم توقيعها في عام 2020. أما الهند، فتتحرك الآن بسرعة ومرونة لحماية مصالحها الوطنية، ويُعد توقيع الاتفاقية مع المملكة المتحدة خطوةً كبيرة في هذا الاتجاه. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي