×
محافظة العديد

الأميركيون وعام من التطلعات الكبرى

صورة الخبر

كانت فترة الأشهر المنقضية من عام 2025 مليئة بالتقلبات بالنسبة للولايات المتحدة ورئيسها السابع والأربعين، دونالد ج. ترامب. فالحربان الطاحنتان في كل من أوكرانيا وقطاع غزة مستمرتان دون أي بوادر لنهايتها، مع وقوع خسائر مروعة، خصوصاً بين المدنيين في غزة. أما سياسات ترامب الجمركية، فلا تزال تُربك العلاقات التجارية الدولية، حيث تم التوصل إلى بعض الاتفاقيات، لكن الكثير منها لا يزال غير مستقر. ويستمر الهوس بتقليص الجهاز البيروقراطي في الولايات المتحدة، رغم أن مهندسه الأبرز، إيلون ماسك، قد انتقل إلى مهام أخرى. كما تتصاعد وتيرة الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، ما يتسبب في أعباء اقتصادية متزايدة على قطاعات حيوية تعتمد على العمالة المهاجرة، مثل الزراعة والبناء والضيافة.وحتى الآن، لم يستطع ترامب تهدئة الغضب داخل قاعدته المؤيدة لشعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» (ماجا) بشأن قضية إبستين، وعجز إدارته عن الإفراج عن الوثائق المتعلقة بهذه القضية، وهي وثائق وعد بكشفها خلال حملته الانتخابية في عام 2024. أما «الديمقراطيون»، الذين يُفترض أن يستفيدوا من متاعب ترامب، فيبدو أنهم عاجزون عن إعادة فرض أنفسهم كمعارضة موحدة وقوية. فحزبهم في أدنى مستويات شعبيته، ويدرك جيدا أنه ما لم يحسّن مكانته لدى الناخبين ويطرح سياسات واضحة ومتماسكة، فإن آماله في استعادة السيطرة على مجلس النواب وربما مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026 ستكون في خطر. ستُهيمن الانتخابات على المشهد السياسي الأميركي العام المقبل، لكِن هناك حدثان آخران سيتصدران جدول الأعمال الوطني. الأول هو الذكرى الـ250 لإعلان الاستقلال الأميركي، والتي سيتم الاحتفال بها في الرابع من يوليو، إلى جانب العديد من الفعاليات الصيفية الأخرى في أنحاء البلاد. وسيسعى كلا الحزبين لاستغلال المناسبة لإبراز وطنيتهما. ففي عام 1976، أقيمت فعاليات الذكرى المئوية الثانية في ظل أجواء من الاضطراب السياسي والتعب العام ومخاوف بشأن مستقبل البلاد. وقد أفسدت آثار حرب فيتنام، وأزمة ووترجيت، واستقالة ريتشارد نيكسون، وأزمة الطاقة في أعقاب حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، مزاجَ البلاد. واستغل الرئيس جيرالد فورد هذه المناسبةَ لإعادة بث روح التفاؤل، وساهمت فعاليات عديدة، منها العرض البحري الشهير للسفن الشراعية في ميناء نيويورك، في تعزيز مشاعر الإيجابية. أما جدول فعاليات عام 2026، فلا يزال قيد الإعداد، وسيشمل عرضاً جديداً للسفن الشراعية الكبيرة من 30 دولة، ومعرضاً كبيراً للولايات الأميركية، وفعاليات أخرى كثيرة. لكن الحدث الأهم سيكون كأس العالم لكرة القدم، الذي ستستضيفه الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بين 11 يونيو و19 يوليو. وبما أن كأس العالم هو الحدث الرياضي الأكثر مشاهدةً في التاريخ، فسيتابعه جمهور عالمي هائل. ولأول مرة، سترسل 48 دولة فرقها إلى أميركا الشمالية بدلاً من 32 دولة. وستُقام معظم المباريات في مدن أميركية، مما يعني أن التغطية الإعلامية للفعاليات المرتبطة بالذكرى الـ250 للاستقلال ستصل إلى جمهور أوسع بكثير مما لو لم تتزامن مع البطولة. وقد أدركت الأحزاب السياسية أن تغطية هذه الأحداث خلال هذه المرحلة المفصلية تمثل فرصة غير مسبوقة للتواصل مع الناخبين. وبالنظر إلى حالة الانقسام الحاد والسُميّة التي تميّز المشهد السياسي الأميركي حالياً، وإلى المخاطر الكبيرة للانتخابات المقبلة في نوفمبر، سيتعين على «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» استثمار المناسبة في الترويج لسياساتهم، في الوقت الذي يُعقد فيه الأمل على توافق الحزبين على أن السنوات الخمسين المقبلة، وصولا إلى الذكرى الـ300 للاستقلال، ستشهد تقدماً كبيراً في حلّ العديد من الأزمات التي تُقسّم المجتمع الأميركي اليوم. وربما سيدرك الحزبان أن التقنيات الجديدة، بما في ذلك الاندماج النووي والذكاء الاصطناعي العام (AGI)، قد تساعد في حل مشكلات يتفق غالبية الأميركيين على أهميتها. *مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن