×
محافظة حائل

الكرم العربي تراث نبيل وقيم لا تنتهي - د. سيف محمد الرشيدي

صورة الخبر

يُعد الكرم من الصفات الحميدة التي يتحلَّى بها الرجل العربي، وهو أكثر من مجرد سلوك، بل عادة وسجية ومبدأ يسير عليه الرجل، ويوصي أبناءه بالتحلّي به. هذا التقليد الأصيل لم يكن وليد الإسلام فقط، بل هو قيمة عرفها العرب قديماً قبل ظهور الإسلام، حيث يُضرب فيهم المثل في الكرم مثل حاتم الطائي وغيره من مشاهير بمنطقة حائل. وقد أوصى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته بالتحلّي بهذا الخلق العظيم، حيث اعتبر الكرم من أخلاق الإسلام التي يجب التمسك بها. والكرم لا يقتصر على الأغنياء أو من يمتلكون المال الوفير، بل هو غريزة إنسانية تدفع الفرد لتقديم الطعام والشراب أو المال لمن يستحق، أو لمنع الضرر عنه، مع التأكيد على تجنب الإسراف والتبذير أو الرياء والمظاهر الكاذبة. ويتميز صاحب الكرم بطبعه السخي وسجيته الحميدة، إذ يُعرف باستقباله الحار لضيوفه، وبيته الذي يُقصد من الجميع. وتنتشر بين الناس سيرته الطيبة التي يؤكدها غير المبالغين في مدحه، وتظهر في بَشاشته وترحيبه وخدمته لمن يزوره، بل إن بعض الكرماء يتضايقون إن تأخر أو لم يأتِ أحد لزيارتهم، حُبًا للضيوف ورغبة في إكرامهم. وفي منطقة حائل، جاء في كتاب «صور وإشعار بني رشيد» للشاعر والمؤرِّخ ناصر بن عياضة الرشيدي، أن الضيف في البادية له مكانة عظيمة، ويُكرم ويحترم ويُحمي، بل يُؤخذ بثأره إذا حدث له مكروه. وأن التجاهل أو البرود في الاستقبال من قبل المضيف يجلب السخط والقطيعة، وهو أمر مذموم. ويؤكد أن أهم ما في الكرم هو حسن الاستقبال والترحيب. ولا يقتصر الكرم على كونه مجرد تصرف عرضي أو فعل مؤقت، بل هو قيمة متجذرة في الثقافة العربية تعكس أسمى معاني الإنسانية والتراحم والتعاون بين الناس. فالكرماء يُنظر إليهم في المجتمع كرموز للنبل والشهامة، وهم من يحظون بمكانة واحترام كبيرين لما يمثلونه من نموذج يحتذى به في التضحية والعطاء بلا حدود. كما يلعب الكرم دورًا مهمًا في تعزيز الروابط الاجتماعية، إذ يرسخ مبدأ التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، ويساعد في تخفيف المشكلات الاجتماعية ويقوي روح المحبة والتآلف. فالكرماء لا ينظرون إلى ما يقدمونه من منافع مادية فقط، بل يرون فيه رسالة أخلاقية وإنسانية تعزّز من قيم الخير والعطاء. وكان للكرم دور تاريخي في استضافة القوافل والمسافرين والبدو، حيث كان البيت الكريم ملجأً وملاذًا لكل محتاج أو ضيف، مما يعكس أصالة المجتمع العربي وقيمه السامية. ولا يزال الكرم يحافظ على مكانته كقيمة إنسانية سامية تتناقلها الأجيال، رغم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مما يؤكد أن الكرم رمز خالد يضيء دروب الحياة بصفاء النفس وكرم القلب.