مقارنة بالمتوسطة، تقلصت هواياتي واهتمامي الدراسي في المرحلة الثانوية. أنعدم نشاطي اللاصفي. انتكس الجو الدراسي المثالي. تخرجت من مدرسة بقيق المتوسطة النموذجية الباذخة بالإمكانيات. التحقت بثانوية بلجرشي المتقشفة من الإمكانيات. دفعت ثمن الانتكاسة والتغيير. عشت تناقضا وصراعا قادني لضياع دراسي لم يحسب والدي حسابه. الثمن كان درسا قاسيا لشخصي ولوالدي. لكني وظفته لاحقا لصالح مستقبلي. كان ملهما. فتح أبواب الآفاق العلمية أمامي، بفضل بذور قوية زرعها استاذي «عثمان الشاعر» في المرحلة المتوسطة. كانت الأفضل في تاريخ حياتي الدراسية. ارتقت بقدراتي لتحدي التغيرات السلبية. عصفت بها وأثمرت منفعة لشخصي. ذلك الثمن لم يكن خسارة. عرّفني بقيمة نفسي وهمّتها وقدراتها التي صنعتها المرحلة المتوسطة. جعلتها شيئا إيجابيا. قصص تحدي ونجاح وفشل مررت بها، قادت شخصي في نهاية المطاف نحو قضيتي: المياه الجوفية. في المرحلة الثانوية فقدت بريقي الدراسي بعيدا عن والدي بالمنطقة الشرقية. في غيابه انطفأ نور شغفي بمواصلة الدراسة. فقدت جميع هواياتي التي اكتسبتها في المرحلة المتوسطة. القصة تطول. لكن دروسها وعبرها كانت أساسا لمستقبلي الناجح. كانت ضوءا في نهاية كل نفق مظلم واجهته. الشيء الإيجابي العظيم خلال الثانوية هو حصولي على تدريب تطبيقي ميداني جعلني استوعب كل الموروث الزراعي والمائي والبيئي المتوارث.. علم تراكمي لقرون تواجدنا على أرضنا المطيرة في منطقة الباحة. تدريب مكثف غطى كل مناحي الحياة. في نهاية مطاف الثلاث سنوات، اتقنت كل الخبرات البيئية التراكمية في معهد عمي «فرحان» -رحمه الله-. حولني إلى مزارع شاب منافس لكل خبرات كبار أهل القرية. بعد ثلاث سنوات.. فشلت دراسيا في المدرسة الثانوية.. ونجحت في مدرسة عمي البيئية. الحديث يطول عن هذه المرحلة بفشلها ونجاحها. لكن والدي رحمه الله، استطاع انتشالي من ضياع دراسي كنت سأعيشه. جنبني الاستمرار في مجال رسمه لي عمي كرجولة ومرجلة. ظروف المرحلة تغيرت بشكل متسارع. هبت رياح تغيير غير متوقع مع الطفرة الأولى عام 1975. كان أبي يراهن على التعليم. كسب الرهان. أعادني للمنطقة الشرقية بعد غياب ثلاث سنوات. خطوة حكيمة جعلتني احصل على الثانوية العامة. بعدها وبنجاح انطلقت مرة أخرى مسيرة حياتي العلمية. كانت كما أرادها والدي. لم أرجع لمنطقة الباحة إلا زائرا بعد حصولي على إجازة الدكتوراه. المهم هو قراراتي الشخصية بعد الثانوية. قرارات قادت في نهاية المطاف، دون تخطيط مسبق مني، إلى إيماني بقضية أهمية المياه الجوفية لنا ولأجيالنا القادمة، في ظل ندرة موارد مياه بلدنا الطبيعية. بداية.. تهيأ لي بعثة عن طريق الامير فيصل بن فهد آل سعود، رحمه الله. رئيس رعاية الشباب في ذلك الوقت، لدراسة الإخراج المسرحي في ايطاليا. لكن قابلني أحد الأخوة المصريين، وقال: الجائع لا يضحك. فتوقف شغفي بهذا الاتجاه. توفر لشخصي بعثة في مجال السلك العسكري. ثم قابلت أحد أصدقاء والدي. فأوقف شغفي بالعسكرية. كان أمامي الالتحاق بأي وظيفة خاصة في أرامكو. كانت كل الخيارات متاحة أمامي. لكن طموحاتي التي زرعها والدي وأساتذتي في المرحلة المتوسطة تتجه نحو التعليم. الخلاصة.. تخطيت صنوفا من الفرص والإغراءات والعقبات. كان شيئا بداخلي يدفع نحو شيئا آخر لصالح الوطن. ويستمر الحديث. mgh7m@yahoo.com