في تصريحٍ لافتٍ، وجَّه الرئيسُ الأمريكيُّ دونالد ترامب شكره للمملكة العربيَّة السعوديَّة على مساهمتها في خطَّة غزَّة، في إشارة تُعيد التأكيد على مكانة المملكة، ودورِها المحوريِّ في جهود السَّلام الإقليميِّ. غير أنَّ هذا الشكر، على أهميَّته السياسيَّة، لا يضيفُ جديدًا إلى سجل المملكة الطويل في دعم الشعب الفلسطينيِّ وقضيَّته العادلة، فمواقف الرياض ثابتة وراسخة منذ تأسيسها، ولم تكن يومًا ردَّة فعل، أو مسايرة ظرفيَّة. المملكة، التي تبنَّت منذ عقود مبادرة السَّلام العربيَّة، لا تزال ترى أنَّ الحلَّ العادل والدائم لا يمكن أنْ يتحقَّق إلَّا بإقامة دولة فلسطينيَّة مستقلَّة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقيَّة. هذا المبدأ لم يتزحزح رغم تغيُّر الإدارات الدوليَّة والتحالفات السياسيَّة؛ لأنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة بالنسبة للسعوديَّة ليست ورقة تفاوض، بل التزامٌ تاريخيٌّ وأخلاقيٌّ ودينيٌّ. خلال السنوات الماضية، قدَّمت المملكة أكثر من خمسة مليارات دولار لدعم الفلسطينيِّين، عبر برامج الإغاثة والإعمار، والمساعدات الإنسانيَّة. كما أطلقت حملات وطنيَّة وشعبيَّة لإغاثة سكَّان غزَّة، وموَّلت وكالة الأونروا بملايين الدولارات، إلى جانب دعم مباشر للحكومة الفلسطينيَّة ومشروعات تنمويَّة في الضفَّة الغربيَّة، وقطاع غزَّة. وعلى الصعيد الدبلوماسيِّ، لعبت المملكة دورًا محوريًّا في توحيد الموقفَين العربيِّ والإسلاميِّ، كما فعلت مؤخَّرًا عبر مؤتمر نيويورك المشترك مع فرنسا، الذي دعا إلى الاعتراف الدولي الكامل بالدولة الفلسطينيَّة. إنَّ شكر ترامب للمملكة، يعكس إدراكًا متزايدًا في واشنطن والدول الكُبْرى أنَّ أيَّ تسوية حقيقيَّة في الشرق الأوسط لا يمكن أنْ تنجح دون دورٍ سعوديٍّ فاعلٍ ومتوازنٍ. لكن الرياض، التي تعطي الأولويَّة للحق والعدل، لن تدعم أيَّ خطَّة لا تضمنُ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيِّ، أو تحاول القفزَ فوق قرارات الشرعيَّة الدوليَّة. تبقى رسالة المملكة واضحة: لا سلام دون عدالة، ولا عدالة دون دولة فلسطينيَّة كاملة السيادة. هذا هو الثابت السعوديُّ الذي لم يتبدَّل، رغم تبدُّل العواصف والوجوه.