نجاح أي فكرة استراتيجية جديدة يتوقف على عوامل كثيرة. فهمها واستيعاب أبعادها المستقبلية غير كاف لتبنيها. هناك من يقاومها، خاصة أهل المصالح المنتفعين من غيرها. صراع المصالح ضد الأفكار الجديدة لا يتقف. أقول بهذا لأني رصدت أثناء محاضرة الأمير محمد الفيصل عن مشروعه جلب جبال الثلج القطب الجنوبي المتجمد عام «1976»، مشاهد البعض يتهامسون بأشياء سلبية، لم تؤثر في اهتمامي، بل عظمته، بهدف معرفي بحت. تعزز ذلك مع السنين. تحول جو القاعة الى عصف فكري خارج حدود المألوف بين العلماء الحضور وبين الأمير محمد الفيصل. بعض الأسئلة كان يثير ضحك الجميع، منهم المحاضر نفسه. كانت محاضرة تحلم بمستقبل لم يره أحد غيره في الصالة. هكذا كنت أتخيل الأشياء مع نزعة الفكرة الجديدة القادمة من صحراء جافة يسودها العطش والجفاف وندرة المياه الطبيعية. تزودت من استنتاجاتي الشخصية كطالب بشحنات إيجابية احتلت نفسي حتى اليوم. لهذا جاءت مقدمة المقال لتأكيده. لم أقتل عامل الزمن، بل استمر لتتعاظم قناعاتي لتتحول المسيرة نحو المياه الجوفية.كنت قبل دخولي القاعة أحمل مشاعر وتصورات عن الأمير. كان ذلك بسبب الكثير من المغالطات التي كنت أسمعها من بعض الإذاعات التي كانت تبث السموم، وتتهمنا بالرجعية والبداوة. للأسف مازالت في غيّها. بل تعددت طرقها بتعدد الوسائل الحديثة. حضرت المحاضرة بفكر شاب عاش صراعات الاحداث منذ حرب نكسة «1967» التي عشتها بشكل عميق. وبكيت بكاء طفل على ما آلت إليه الأمور. عرفت بعد ذلك بأنها هزيمة «الهياط» والشعرات المتناقضة مع الواقع. أيضا عشت تهريج ممنهج ضدنا قبل هذه الهزيمة. منذ عام «1961» حيث كان تهديد عبدالكريم قاسم بغزو الكويت واحتلالها. كان ذلك وشخصي في أول ابتدائي في مدرسة بقيق الابتدائية. عشت ذلك التهديد -طفلا - بحذافير رعب اعترى براءتي كطفل. ما زالت أحداث الساعة الواحدة ظهرا في ذهني. ذلك هو الوقت الذي حدده لغزو الكويت. وتعرفون أن الله حمى الكويت وأهلها. الجميل في مسيرة حياتي الشابة، كنت محصنا بفكر أساتذتي وعلى رأسهم «الأستاذ عثمان الشاعر» رحمه الله. كنت أحمل أيضا بعض قيم معلومات ما كنت أقرأ في كتب ومجلات لم يعد لها أي وجود. كنت أملك العديد من نسخها الى أن تخلصت منها في ساعة غير مسؤولة أثناء تنقلاتي من بيت إلى آخر. ولندمي على ما فعلت كتبت مقالا قلت فيه.. لا تتخلص من أي ورقة في حياتك، اترك أمرها للورثة. وسط عراك المشاهد الحاضرة أمامي، وتلك التي استدعيتها من مخزون ذاكرة شاب تموج بالأسئلة والتساؤلات.. بدأ الأمير محمد الفيصل محاضرته. كان يتحدث عن حلم طموح يرى مستقبله. لم أكن أعلم أنه بدأ يحرث في أرض ذاكرتي، لبذر بذور كان ينثرها لتثمر في مستقبلي دفاعا عن المياه الجوفية. ويستمر الحديث. mgh7m@yahoo.com