في ذاكرة الشعر السعودي يسطع اسم حسن بن محمد الزهراني كأحد الأصوات التي منحت القصيدة روحها النقية وأعادت للكلمة مكانتها الأولى بين الجمال والصدق والإيمان شاعرٌ خرج من عمق الجنوب من قرية القسمة الوادعة بين جبال منطقة الباحة ومن شعب صميعة الذي تختزن تضاريسه عبق الأصالة وندى الطفولة فحمل في قلبه هواء الجبال وصفاء الصباح ونثره على أوراق القصيدة حتى غدت كلماته امتداداً لطبيعة المكان وصدق الإنسان. نشأ الزهراني في بيئةٍ تقدّس الكلمة وتمنح المشاعر حرية البوح فكانت الطبيعة معلمه الأول والمكان إلهامه الأبدي في ذاكرته ترسّخت التفاصيل التي شكّلت رؤيته الشعرية فغدا يرى في اللغة حياةً وفي الشعر وطناً أوسع من الجغرافيا لم يكن الشعر عنده ترفاً لغوياً بل رسالة صدقٍ وجمالٍ ووعيٍ إنسانيّ يكتب كما يتنفس ويمنح كلماته روحاً من ضوءٍ لا يزيفه التصنع وصدقاً لا تُثقله البلاغة الزائدة. في شعره تنساب اللغة عذبةً كالماء صافيةً كأول الغيم تفيض بعاطفةٍ صادقةٍ وفكرةٍ نقيّة .. لغته شفافة تنبع من عمق التجربة وتلامس الوجدان دون أن تتنازل عن جمالها الفني يجيد الزهراني أن يجعل من المفردة نبضاً ومن الإيقاع ضوءاً للمعنى فتغدو قصيدته كائناً حيّاً يتوهج كلما قرأه القارئ أو أنصت إليه المتذوق .. يوازن بين الفكر والإحساس وبين الأصالة والتجديد فيخلق لنفسه بصمة خاصة تُعرف من أول بيت ويؤكد أن البساطة الرفيعة ليست سهولة بل عمقٌ مغلّف بالعذوبة. وللوطن في شعره مكانٌ أثير لا يكتبه موضوعاً بل يعيش فيه كنبضٍ دائمٍ في القلب .. تتدفق مشاعره للوطن كما يتدفق النهر من عتب الصخور يكتب عن المملكة العربية السعودية كما يكتب العاشق عن حبيبته الأولى بكل ما في الروح من فخرٍ ووفاء يرى في ترابها مجد الأجداد وفي حاضرها وهج النهضة وفي مستقبلها أمل الأجيال قصيدته الوطنية لا تتكئ على المديح بل على المحبة والانتماء تنبع من القلب لا من إملاءات اللحظة لذلك اختارت المناهج الدراسية بعض قصائده لتكون بين أيدي الطلاب لأنها تجمع بين النبل والصدق والجمال وتغرس في الأجيال حب الوطن بوعيٍ وإحساسٍ صادق. الوطن في شعر الزهراني ليس جغرافيا محدودة بل كائنٌ حيّ يسكنه ويتنفسه. كلما كتب عنه استعاد طفولة القسمة وذكريات صميعة وصوت الحكاية في ليالي الجنوب .. في شعره ملامح الإنسان السعودي الأصيل: كريم العطاء صادق المشاعر معتز بالهوية متصل بالجذور وإن اتسعت به الرؤيا إلى آفاق العالم. وفي مساحة أخرى من تجربته يكتب الزهراني للإنسان في كل حالاته للحب كما لو أنه غيم وللأمل كما لو أنه وعد يأتي من الغد قصيدته مرآة للروح الإنسانية في ضعفها وقوتها في حزنها وفرحها في خوفها وشجاعتها لا ينحاز إلى ذاتٍ معزولة بل إلى الإنسان في جوهره لذلك ظل شعره قريباً من القلب لا يشيخ مع الأيام لأنه ينتمي إلى جوهر الإنسان لا إلى عابر الزمن. أما أسلوبه في الكتابة فيتميّز بتوازنٍ دقيقٍ بين جمال الإيقاع وعمق الفكرة لا يغريه الشكل على حساب المعنى ولا يسمح للفكرة أن تُطفئ موسيقى الشعر في قصائده تناغمٌ بين النغمة والصورة بين الظاهر والباطن حتى تكاد تسمع للقصيدة نبضها قبل أن تراها مكتوبة. يختار أوزانه بعناية ويتنقل بين العمودية والتفعيلة بسلاسة دون أن يفقد صوته المميز وكأن الإيقاع عنده شريكٌ في المعنى لا إطارٌ له. في مشهد الشعر السعودي تتوهج قامة الشاعر حسن الزهراني كأنها شرفة مطلّة على الروح يُحبّه أبناء منطقة الباحة ويجلّه المثقفون ويألفه من عرفه ومن لم يعرفه فاسمه وحده كفيل بأن يفتح أبواب المحبة والاحترام. قدّم للوطن ديواناً سامقاً بعنوان “قبلة في جبين القبلة” جعل من القصيدة الأولى فيه “قبلة في جبين الوطن” نشيداً يدرَّس لطلاب الصف الثالث المتوسط بالتعليم العام فغدت مفرداته تتردد على شفاه النشء حباً وفخراً ثم جاد بما كتبه لأمه وفاءً وبراً فضمّه في ديوان خاص أهداه بدمع الابن وصدق المحب لتُختار أولى قصائده مقررة على طلاب الصف الأول المتوسط فكان شعره منهجاً تربوياً ووجداناً حياً في قلب التعليم. استُضيف في المدارس تقديراً لتجربته وكرّمته جائزة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة شخصيةً ثقافية عربية اعترافاً بحضوره الممتد وصداه في فضاء الوطن العربي. نال جائزة سمو الأمير خالد الفيصل “أبها الأدبية” فجاء فوزه بصمةً أدبية فارقة في الخليج وأُتبعت بـ جائزة باشراحيل العربية تأكيداً لمكانته الرفيعة ولم تتوقف الأوسمة عند الجوائز بل امتد أثره إلى قاعات الجامعات ومراكز البحث حيث تناول شعره في 12 رسالة علمية بين الماجستير والدكتوراه بينما سبرت أغوار نصوصه أكثر من 80 دراسة نقدية وانطلقت 32 ترقية علمية من بين سطوره لتؤكد عمق تجربته وتمكنه الفني. ومن خلال رئاسته لنادي الباحة الأدبي كان حسن الزهراني وجهاً مضيئاً للثقافة في المنطقة جعل من النادي منبراً للإبداع وفضاءً للحوار الأدبي محلياً ودولياً .. احتفى بالمواهب الشابة وآمن أن الشعر لا يعيش في العزلة بل يتغذى من اللقاء والمشاركة فتح الأبواب أمام الأصوات الجديدة وأسهم في تشكيل مشهدٍ أدبيٍّ متجددٍ نابضٍ بالحياة ترك بصمةً واضحةً في المشهد الثقافي السعودي بإسهاماته ومبادراته فكان الشاعر الذي يخدم الأدب بالقلم والفعل معاً. الزهراني يجمع في شخصيته بين التواضع والبهاء بين الأصالة والتطلّع. لم تغره الشهرة ولم تَشُب قصيدته الزخرفة بل ظلّ كما هو: إنساناً يرى في الشعر نافذةً للحقيقة وفي الوطن معنى للحياة وفي الكلمة وعداً بالنور حمل جنوبه في قلبه أينما رحل وغرس في القصيدة عبق القسمة ونسيم صميعة وحكايات المكان الذي أنبته لذلك تبقى قصيدته مشبعةً برائحة الأرض وصوت المطر وصدق المشاعر التي لا تُصطنع. تُشبه تجربته الشعرية نهراً يهبط من الجبل إلى البحر صافياً في منبعه غنياً في مجراه ومضيئاً في مصبه لا يتكرر في مضمونه بل يتجدد مع كل قصيدة كما يتجدد الصباح على جبال الباحة الشامخة. استطاع أن يخلق توازناً نادراً بين الأصالة والتراث من جهة والتجديد والتجريب من جهة أخرى فحافظ على روح القصيدة العربية في زمن التحولات دون أن يتقوقع في الماضي أو يذوب في الحداثة. وحين تقرأ له تدرك أنك أمام شاعرٍ لا يكتب ليمجّد ذاته بل ليُعبّر عن الآخرين. قصيدته ليست سيرة فردٍ بل سيرة وطنٍ وإنسانٍ وزمن كتب للوطن فخلّد الحب وكتب للحياة فأنطق الجمال وكتب للإنسان فترك أثره في الذاكرة امتزج اسمه بتاريخ الشعر السعودي المعاصر وأصبح رمزاً للكلمة التي لا تبهت ولا تُشترى لأنها خرجت من قلبٍ نقيٍّ عاشقٍ لوطنه ومكانه وإنسانيته. وهكذا يبقى حسن بن محمد الزهراني صوتاً يضيء في سماء الشعر العربي شاعراً نسج من لغته جسراً بين الجبل والقصيدة بين القسمة وصميعة بين ذاكرة الماضي وآفاق المستقبل في كلماته عبق الأرض وصدق الإنسان وفي قصيدته دفء الجنوب في فضاء الوطن وبهاؤه يكتب بصدق الجبل ونقاء الغيم فتفيض قصيدته جمالاً ووفاءً للوطن وتبقى حياته درساً في التواضع والإبداع والالتزام هو شاعرٌ كتب ليبقى وامتد أثره كما يمتد ضوء الفجر على قمم الباحة لأن الشعر حين يُكتب بصفاء القلب وصدق المكان يخلّد صاحبه كما تخلّد الأرض أول مطرها.