×
محافظة حائل

«الصبيحي» وأيام البيع في الحج

صورة الخبر

من ذكرياتي في المدينة المنوَّرة، كنتُ أنا وزملائي في مرحلتي المتوسطة والثانويَّة نبيع أيَّام الحجِّ، ولنا بسطات صغيرة ومحدودة، نفترشها أمام باب الحرم في مواجهة خروج الحجَّاج، نبيع فيها ما تيسَّر من هدايا الحجِّ، بعضنا يبيع طواقي، وبعضنا يبيع سبحًا، وآخرون يبيعون لمبات ضوئيَّة تظهر مكَّة والمدينة، ومن الامتنان الإيجابيِّ أنْ نشكر الله على نعمه، فقد كان معظم أهل المدينة، رزقهم من الله يكون بالنشاط أيَّام الحجِّ؛ لأنَّ فترة الحج كانت تمثل لنا دورة اقتصادية خاصة في تأجير بيوتنا للحجاج والمشاركة في البيع كل حسب بضاعته. وقد صادفتُ يومًا شخصًا ممَّن كان يبيع معي أيام الحجِّ، وكان برتبة لواء، فسلَّمتُ عليه وتعانقنا؛ لأنَّه كان زميل دراسة، فقلتُ له: أتذكرُ يومَ أنْ كنَّا نبيع في الحجِّ؟ فدمعتْ عيناه؛ لأنَّ الذكرى تفرح القلب، وفي نفس الوقت لحظة تذكُّر موجعة لما مضى من أيَّام الزَّمن الجميل. وهناك قصَّة من ذكرى أيَّام الحجِّ، أنَّ شخصًا كان يعمل في محل بيع القماش، في جوار الحرم النبويِّ وجاء حجَّاج ليشتروا منه قماشًا، فأخبرهم أنَّ سعر المتر ١٢ ريالًا، فقال له الحاجُّ: الله وكيل، فردَّ: الله وكيل، فطلبُوا كميَّة كبيرة من القماش، وتم تهيئة الكميَّة لاستلامها، ودفع المبلغ، وكان صاحب المحل العم عبدالله الصبيحي قد وصل للتوِّ إلى المحل، وهو من أهل القصيم ممَّن سكن المدينة، وهناك عوائل كثيرة من حائل والقصيم جذبتهم المدينة، ورغبة القرب من الحبيب -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- والصلاة في مسجده، فسكنوا فيها، ومن ذلك عائلة الصبيحي، فسأل مَن كان يعمل بالمحل: بكم بعتهم المتر؟ فقال بـ١٢ ريالًا، قال له: إنَّ ثمنها ٨ ريالات فقط، قال له: وماذا قال؟ قال: الله وكيل، فقلتُ له: الله وكيل، فقال العم الصبيحي: وكمان قال الله وكيل، استغفرُ اللهَ أنْ يكون الله وكيله، ونبيعه بهذا السِّعر، فتدخَّل بسرعة عند الحساب، وقال للحجَّاج: إنَّ سعر المتر فقط ٨ ريالات، فتعجَّبُوا، وحُقُّ لهم ذلك، كيف أنَّ شخصًا ضميره حيٌّ إلى هذا الحد، ويرفض فرصة طمع كهذه، ويكتفي بقناعة ربح محدود، لكنَّ الله عوَّضه، ففي اليوم التالي، جاءه عددٌ كبيرٌ من الحجَّاج للشِّراء وتدفَّق عليه رزقٌ من الله أضعاف أضعاف الأوَّل (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). فأيَّام الحجِّ في المدينة المنوَّرة كلها ذكريات، في مقال آخر -بإذنِ اللهِ- أذكرُ لكُم ذكرياتِي عندما كنتُ أكتبُ رسائلَ للحجَّاج عند البريدِ.