×
محافظة حائل

من مهرجانات الجريش إلى مواسم وطنية متكاملة

صورة الخبر

في الوقت الذي يواصل فيه موسم الرياض خطف أنظار العالم، بما يقدمه من فعاليات عالمية عابرة للحدود، وتجارب ترفيهية تصنع الفارق في صناعة السياحة والاقتصاد، يبرز تساؤل منطقي ومشروع لماذا لا تمتد روح الموسم إلى بقية مناطق السعودية؟ نجاح موسم الرياض ثمرة تخطيط استراتيجي واحترافية تنظيمية استطاعت أن تضع العاصمة في صدارة الوجهات الترفيهية إقليميًا. هذا النجاح يفرض اليوم واقعًا جديدًا ورؤية أوسع، تتجاوز مركزية الفعاليات نحو تعميم المواسم، لتصبح كل منطقة في السعودية منصة للبهجة ووجهة للزوار، وفق خصوصيتها الجغرافية والمناخية والثقافية. تخيّل موسمًا صيفيًا في أبها يواكب رذاذ السحاب، وآخر في جدة يحتفي بروح البحر، وموسمًا في المدينة المنوّرة يستلهم سكينة المكان وقداسته، وفي حائل موسمٌ يعيد تعريف الفنون الشعبية بحداثة مدروسة وقت الاجواء المعتدلة، وفي القصيم بين الأرياف والمزارع وجني المحاصيل، وموسمًا في الشمال يروي حكايات البرد والربيع. هذا ليس مبالغة في الخيال، بل رؤية واقعية قابلة للتطبيق، حين تُدار بيد الهيئة العامة للترفيه بروح التخطيط لا الارتجال. في المقابل، لا يمكن تجاهل واقع المهرجانات المحلية التي لا تزال أسيرة النمط القديم خيام متواضعة، وفعاليات مكررة، ومظاهر أشبه بالأسواق الشعبية منها بالمواسم الترفيهية. تلك المهرجانات لا تقدم محتوى حقيقيًا يثري التجربة، بل تكتفي بتجميع الحشود وبيع «الجريش والمرقوق» تحت شعار «الترفيه»، بينما يغيب الجوهر وتُهدر الفرصة الاقتصادية والسياحية. تحويل تلك الجهود المتفرقة إلى مواسم متكاملة بإشراف هيئة الترفيه سيمنحها هوية موحدة، ومعايير جودة تليق بصورة السعودية الجديدة. فالتنظيم المؤسسي وحده كفيل بأن ينقلنا من مرحلة المهرجان العشوائي إلى عصر صناعة الفرح المحترف، القادر على تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل، وتعزيز الانتماء الوطني عبر تجربة ترفيهية راقية. التحدي الحقيقي ليس في تنظيم الفعاليات، بل في إعادة تعريف الترفيه نفسه بوصفه صناعة ذات أثر، لا مناسبة موسمية مؤقتة. والمطلوب اليوم أن تتعامل هيئة الترفيه مع كل منطقة باعتبارها موسمًا ينتظر فرصة للانطلاق، وفق خطة زمنية تضمن الاستمرارية، وتستثمر خصوصية المكان والناس والمناخ. فكما نجح موسم الرياض في جعل العاصمة واجهة للفرح، يمكن لمواسم المناطق أن تجعل الوطن كله مسرحًا مفتوحًا للبهجة. فليكن الترفيه في السعودية مشروعًا وطنيًا متكاملًا لا مناسبة موسمية. عندها فقط سنطوي صفحة مهرجانات الجريش والمرقوق ونفتح بابًا واسعًا لمواسم الحياة.