×
محافظة الدرعية

الإعلام والسياحة في السعودية.. حكاية بصرية

صورة الخبر

لم يعد الإعلام السياحي السعودي مجرد وسيلة للترويج أو نقل الأخبار السياحية، بل غدا مساحة حية تتقاطع فيها الهوية والثقافة والإبداع والتقنية. إنه إعلام جديد يولد من رحم التحول الوطني الكبير الذي تقوده رؤية السعودية 2030، ويعبّر عن روحٍ مختلفة للمكان والإنسان. فقد تجاوز دوره التقليدي في وصف المواقع السياحية إلى دور أكثر عمقًا: صناعة الصورة الذهنية وصياغة التجربة الجمالية التي يعيشها المتلقي، سواء كان مواطنًا أو زائرًا أو متابعًا من وراء شاشة في أي مكان من العالم. إن جوهر التحول في الإعلام السياحي السعودي يكمن في صناعة محتوى مغاير، محتوى يتنفس لغة العصر ويخاطب الأجيال الجديدة بلغتها البصرية والوجدانية. لم يعد النص هو البطل، بل أصبحت الصورة، والموسيقى، والإيقاع، والإحساس، هي المفردات الجديدة للخطاب الإعلامي. فالحملات مثل «روح السعودية» و»حي الشتاء» و»صيف السعودية» لم تُبنَ على الإعلان الكلاسيكي، بل على الحكاية والتجربة والانغماس في تفاصيل المكان. ومن أبرز ما عكس هذا التحول في الواقع العملي الحملات التسويقية السعودية الحديثة، التي شكّلت نقلة نوعية في مفهوم الإعلام السياحي. فقد جاءت حملات مثل «حي الشتاء» و»صيف السعودية» و»روح السعودية» و»مواسم السعودية» لتؤكد أن الرسالة الإعلامية لم تعد تقتصر على الترويج للمكان، بل أصبحت مشروعًا متكاملاً للتفاعل والوعي الثقافي. في حملة «حي الشتاء» مثلاً، لم يكن الغرض عرض برودة الطقس أو جمال الطبيعة الجبلية فحسب، بل إبراز التجربة الإنسانية في موسم الشتاء السعودي: الدفء، والألفة، والموسيقى، والمجتمع، وروح الفرح. أما حملة «صيف السعودية»، فقد قدمت تنوع الوجهات في قالب قصصي متصل، جعل كل منطقة رواية مستقلة ضمن رواية الوطن الكبير، حيث تتجاور الجبال مع الشواطئ، والصحراء مع الغابات، والتاريخ مع الحداثة. أما «روح السعودية»، فهي المظلة الاتصالية التي وحدت الصورة والرسالة في هوية بصرية واحدة، وجعلت من الإعلام السياحي السعودي خطابًا متماسكًا ومفهومًا في الداخل والخارج. هذه الحملات اعتمدت على مبدأ التجربة قبل الإعلان، فجعلت من المشاهد أو المتابع جزءًا من القصة، يعيشها عبر الفيديو، ويتفاعل معها عبر المنصات، ويستعيدها عبر ذاكرة الصورة. ووسط هذا التحول، كان التواصل مع الشباب حجر الزاوية في استراتيجية الإعلام السياحي. فالشباب هم الطاقة الكبرى في المجتمع السعودي، وهم صانعو الذوق الرقمي وروّاد التفاعل العالمي. الإعلام لم يعد يتحدث إليهم من برج مرتفع، بل يتحدث معهم وفي لغتهم. منصات مثل «إكس» وتيك توك وإنستجرام أصبحت المسارح الحقيقية التي تُعرض فيها القصص السياحية السعودية بأسلوب عفوي ومرن. المشهد المصور لا يُخاطب العين فقط، بل ينتمي إلى ثقافة المشاركة، حيث يصبح الشاب نفسه جزءًا من الحملة، يشارك، يصور، يحكي، ويعيد إنتاج الصورة من منظوره الخاص. إن التصميم الإبداعي بدوره تحوّل إلى لغة جمالية ذات مضمون ثقافي. لم يعد التصميم مجرد خلفية للإعلان، بل أصبح حاملًا للهوية ومعبّرًا عن الرؤية. الألوان، الخطوط، التكوينات البصرية، كلها تعمل بانسجام لتجسيد الشخصية السياحية للمملكة. في «روح السعودية» تُستحضر الخضرة والأزرق كرمزين للحياة والانفتاح، وفي «حي الشتاء» تتقد الدفء والحميمية، بينما تستحضر حملات «صيف السعودية» الطاقة والضوء والانطلاق. التصميم هنا يترجم الفكرة ويُعيد إنتاجها بصريًا ليترك أثرًا في الذاكرة، فهو الترجمة الجمالية للانتماء. وإلى جانب الفن والهوية، يقف التحول الرقمي والتقني كركيزة أخرى في الإعلام السياحي السعودي. فقد دخلت التكنولوجيا في صميم العملية الاتصالية، من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة التفاعل والتحليل. تُستخدم اليوم تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتقديم تجارب تفاعلية تسمح للمستخدم بالتجول رقميًا في العلا أو الدرعية قبل زيارتهما فعليًا. كما تم توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الجمهور وتفضيلاته، مما يمكّن الحملات من تخصيص الرسائل البصرية بحسب المنطقة، واللغة، والاهتمامات الثقافية. وبهذا أصبح الإعلام السعودي أكثر قربًا وفاعلية، وأكثر قدرة على محاكاة تنوع الجمهور العالمي. لكن الصورة تبقى العنصر المحوري في هذا التحول. لقد غدت الصورة السياحية اليوم اللسان الجديد للإعلام السعودي، فهي التي تتحدث إلى العالم بلا ترجمة. الصورة أصبحت أكثر من مشهد؛ إنها سرد بصري يختزل فكرة الوطن في لحظة ضوء. فهي التي تنقل اتساع الصحراء وعمق الجبال وهدوء البحر وحيوية المدن، وتجمع بين القديم والجديد في لقطة واحدة. لم تعد الصورة تُلتقط فحسب، بل تُبنى ببصيرة فنية وثقافية دقيقة، لتكون خطابًا بحد ذاتها. الصورة السعودية لا تبحث عن الإبهار السطحي، بل عن الإقناع بالهوية. في لقطةٍ لزائرٍ يسير في حي طريف، أو لعائلة تستمتع على شاطئ أملج، أو لمغامر في جبال السودة، ثمة سرد ضمني عن الحياة السعودية الحديثة: مجتمع منفتح، متنوع، وواعٍ بجماله الداخلي. الصورة هنا تُعيد صياغة الانطباع العالمي عن المملكة، وتنقلها من إطار الصحراء والعمق التاريخي إلى فضاء الحداثة والإنسانية. وقد ساهمت التقنيات الحديثة في تعميق هذا الحضور البصري، فالكاميرات الجوية، والتصوير السينمائي، والدرون، والإنتاج ثلاثي الأبعاد، أصبحت أدوات سردٍ جديدة تمنح الصورة السعودية بعدًا عالميًا. كما ساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الصور وتحليل التفاعل معها، لتتحول كل حملة إلى تجربة قابلة للقياس والتطوير المستمر. هذه اللغة البصرية الجديدة جعلت الإعلام السياحي السعودي واجهةً حضارية تعبّر عن الرؤية الوطنية في بعدها الإنساني والثقافي. ayaamq222@gmail.com