×
محافظة الدرعية

حين يتكلم التاريخ.. تتغيّر معادلات القوة - عايض بن خالد المطيري

صورة الخبر

لم يكن تصريح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حول اقتراب الولايات المتحدة من الاحتفال بمرور 250 عامًا على تأسيسها، مقابل استعداد السعودية للاحتفال بثلاثمائة عام على تأسيسها، مجرد مقارنة زمنية؛ بل كان إشارة محسوبة تعيد ترتيب الوعي العالمي بمكانة السعودية وعمقها التاريخي. فالتواريخ، حين تُستحضر في اللحظة السياسية المناسبة، تصبح جزءًا من صناعة النفوذ، لا مجرد دروس محفوظة في كتب المدرسة. فالدولة السعودية الأولى تأسست عام 1727م بقيادة الإمام محمد بن سعود، بينما كانت أمريكا ما تزال مستعمرة بريطانية حتى إعلان استقلالها سنة 1776م؛ أي بعد ما يقارب نصف قرن من انطلاق مشروع الدولة في الدرعية. هذا الفارق الزمني يُظهر أن الدولة السعودية ليست دولة ناشئة، بل كيان سياسي متجذر حافظ على استمراريته عبر ثلاث مراحل، ودخل القرن الحادي والعشرون بطاقة دولة تتكئ على تاريخ طويل لا على فراغ سياسي. ذكاء سمو ولي العهد يبرز في الطريقة التي يُظهر بها هذه الحقائق في اللحظة المناسبة. في لقاءات دولية حساسة، فقد تحدث أمام الرئيس الروسي عام 2023 مؤكدًا أن السعودية لم تتعرض للاستعمار، كان الخطاب واضحًا: السعودية لم تُبنَ بقرار خارجي، ولم تُرسم حدودها على طاولة استعمارية، بل تقدمت للدولة الحديثة من أرضها، وسيوفها، وإرثها. ولعل المشهد الذي يتناقله السعوديون اليوم -حين قال في أحد اللقاءات: «نحن لا نأتي لنرضي أحدًا، نحن نُقدّم مصالح دولتنا وشعبنا»- يعكس تحوّلًا كبيرًا في طريقة إدارة السياسة الخارجية. إنها لغة دولة تعرف وزنها، وتعرف أن احترام الآخرين يبدأ باحترام الذات. وهو خطاب ينسجم مع الواقع الجديد الذي صنعته رؤية 2030، حيث تتوسع السعودية اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا بثقة تجعل صوتها مسموعًا في المحافل الكبرى. وفي مجتمع سعودي يعتز بتاريخه، يجد الناس في هذه الرسائل ما يشبه إعادة الاعتبار لسردية وطنية كثيرًا ما حاول البعض تشويهها. فالمواطن البسيط الذي يعرف تاريخ الدرعية، مثل الشيخ الكبير في إحدى القرى الذي لا يزال يردد: «السعودية من يوم نشأتها ما خضعت لأحد»، يرى في خطاب ولي العهد تأكيدًا رسميًا لما تربى عليه من حكايات الآباء. ومع ذلك، لا يقوم خطاب الأمير محمد بن سلمان على الفخر المجرد، بل على ربط الماضي بالحاضر. فالدولة اليوم ليست مجرد امتداد تاريخي، بل مركز ثقل سياسي واقتصادي وديني. دولة تتحكم في مفاصل الطاقة العالمية، وتدير علاقاتها وفق ميزان يحترم الجميع ولا ينحني لأحد، وتعمل بيدين: يد تنفتح على العالم، وأخرى تمسك بجذورها. وتبقى العبارة التي قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام»، حاضرة في وجدان هذا الوطن. فالعزة هنا ليست شعارًا، بل ممارسة تُبنى على قيادة رشيدة وشعب وفيّ، وعلى دولة تعرف قيمتها عبر تاريخ يمتد ثلاثة قرون. بهذه الروح، يذهب ولي العهد إلى المحافل العالمية وهو يحمل السعودية بثقلها الكامل، لا كدولة تبحث عن دور، بل كدولة تُفرض مكانتها فرضًا بالمنطق والنجاح والرسوخ. ومن يتابع المشهد يدرك أن التاريخ، حين ينطق على لسان القيادة، لا يصبح مجرد ماضٍ، بل مستقبل يُعاد تشكيله بثقة ووضوح.