عشت أياما عصيبة بعد خطاب رفع أوراق تخرجي من الجامعة لديوان الخدمة المدنية، للالتحاق بوظيفة. لم أتقدم للديوان خشية تعييني في منطقة خارج الدمام. استشرت موظف فقدم نصيحة ساهمت في العمل لصالح المياه الجوفية دون علمه وعلمي. أقدار الله تأخذ مجراها. نصح بعدم تقديم أوراقي لديوان الخدمة المدنية مباشرة. أشار بمراجعة الدوائر الحكومية في مدينة الدمام للبحث عن وظيفة شاغرة، وسيفرحون. فالكل بحاجة الى موظفين جامعيين. سيعطونك خطاب للديوان لطلب تعيينك عندهم على هذه الوظيفة الشاغرة. بعدها تذهب به للديوان في الرياض، وسيتم تعيينك على الوظيفة. وبهذا تضمن عملك في الدمام. راقت لشخصي الفكرة. أكد أن هذا لا يتعارض مع النظام، ويحقق رغبتي. أثناء البحث وكنت متجها للخبر عبر الطريق الساحلي، شاهدت لوحة على الشارع تحمل اسم جامعة الملك فيصل. دخلت مقر الجامعة. سألت حتى دخلت على مدير الجامعة في مكتبه. بمجرد مشاهدته دار شريط ذكرياتي في الكلية فورا. بادرته قائلا: ألست أنت الذي كنت تقدم لنا الشاهي في كلية الزراعة بالرياض؟ هكذا بكل بساطة وسذاجة وحسن نية. بعد لم أدخل عالم الوظائف وألقابها وطقوس التعامل معها. تفاجأ بكلامي وتجهم وجهه متسائلا: ماذا تقول وماذا تريد؟ شرحت له بأنني كنت أحد طلاب الكلية، ومشارك في اللجنة الثقافية، وأثناء عملنا ليلا، كنت تزورنا مشجعا وتحضر معك براد شاي وتقدمه لنا. كنت أنت المشرف على هذه اللجنة. فجأة انتابته حالة من الضحك والسرور. يبدو أنه استلطف كلامي، وصدق نيتي وبساطة تعاملي، وقد يكون هناك أشياء أخرى لا أعلمها. شرحت قصتي مع وضعي الاجتماعي، وحكايتي مع ديوان الخدمة المدنية، وأطلعته على الخطاب، وأيضا شرح ونصيحة الموظف الذي استشرته. قال فورا: مكانك الأحساء. رفضت. طلبت وظيفة في الدمام بالقرب من أهلي. شرح أن مكاني المناسب كلية العلوم الزراعية والأغذية ومقرها الهفوف. وبعد أخذ ورد، قال جملة غيرت مفهومي، وخضعت لرأيه. قال: ستكون قريب وبعيد عن أسرتك في الدمام. المسافة بين الأحساء والدمام لا تزيد عن الساعتين. لو حصل أي طارئ لأهلك في الدمام ستكون قريب. وأضاف: ستقدم لك الجامعة سكن مؤثث. وأذكر أنه قال حتى المصابيح سيتم استبدالها من قبل الجامعة. وافقت. بدأت في إجراء التعيين. تعينت في جامعة الملك فيصل بالهفوف. باشرت العمل بفخر وحماس وجدية في يوم تاريخي. بدأت مشوار جديد وصفحة جديدة في حياتي. لم أتوقع مساراتها ومفاجآتها وتحدياتها. لكني كنت ذلك الجبل لأشم علو قامة وهمة. في العمل كنت ابن بيئتي الجبلية وإنسانها القوي الأمين. مخاطبا نفسي: «خلّك رجال». بهذا الشعار بدأت بشغف وحماس وصدق، حاملا التاريخ، والموروث، والعزم، والالتزام، والدقة، والإتقان، والانضباط، ومقومات الإنجاز. أقول بهذا فخرا.. فكل مسؤول وموظف وزميل عملت معهم وبجانبهم في جامعة الملك فيصل.. شهود على ذلك. حتى طلابي ودفاعي عن المياه الجوفية وحمايتها من النضوب. قبل ذلك تعرضت لموقف في الشهر الأول بعد التعيين كان سيؤدي لفصلي من الجامعة، لكن نتائجه كانت لصالح المياه الجوفية. ويستمر الحديث. mgh7m@yahoo.com