في محافظة الغاط الأثيرة؛ تلك الجوهرة المتلألئة في تاج نجد، كما يليق بها وبأهلها الذين توشحوها رداءً قشيبا! فاتسعتْ العلائق والعلاقات، في تلك الأرض الكريمة التي مازالت تفيض احتفاء بالوطن وبكافة تشكيلات المجتمع فتملأ قلوبهم بالود والتفاؤل قبل حضورهم إلى فضاءات الغاط الجميلة، وتصطف النخيل عملاقة ملأى فنقرأ في عذوقها سيرة كريمة لمؤسس التنوير المجتمعي الثقافي في الجوف والغاط والذي امتد إلى الوطن الكبير معالي الأمير عبدالرحمن الأحمد السديري رحمه الله! أما الحديث عن مرابع الغاط ومفاوزها وطبيعتها حيث يُقام منتدى منيرة بنت محمد الملحم السنوي لخدمة المجتمع المحلي في وطننا الغالي ويتهادى فيض المنتدى كل عام يجلله ذكر فاخر عزيز للسيدة منيرة الملحم - رحمها الله- مستقراً موقراً في محافظة الغاط في حضرة التاريخ والحضارة والفروسية وذكريات تليدة جميلة بقيت في رفوف الذاكرة التي عادة ما تُدوَّنُ فيها ذكريات الأزمنة الجميلة! وفي هذه الحقبة من الزمن خلع الزمان على الغاط أشواقه فصار ارتيادها كل عام سيرا على الوجدان والمشاعر وليس سيرا على الأقدام والمراكب وحدها! وهنا في دار الرحمانية حيث احتضنتْ منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع حفاوة وتذليلا للصعوبات، وإيجاد واقع محفز وتأطيرا مدروسا للحلول الناجحة لفئة أصيلة من مجتمعنا السعودي الذي قام ومازال على التكافل والتكامل منذ البدايات، فكان المستهدفون في المنتدى في هذه الدورة هم كبار السن، فكان وسم المنتدى الذي أقيم في 19 من شهر نوفمبر الجاري بعنوان (استشراف مستقبل كبار السن من التحديات إلى التمكين) يتواشج مع منهج بلادنا السعودية العظمى التي ارتكزت رؤيتها العملاقة 2030 على تحقيق مفهوم جودة الحياة لمكونات المجتمع السعودي كافة الذي يعيش أبناؤه في كافة بيئاتهم ومناطقهم قيما عليا لا تستطيع الجغرافيا أن تجرفها فهي وشائج متصلة إلى الأبد بإذن الله! والمنتدى تعقِدُ لواءهُ وتنفيذه هيئةٌ موقرة تتشكل من عقول سعودية تحقق له منهجية واضحة وسياسة جذب مميزة، ومن خلال اطلالتنا على مفاصل الموضوع (استشراف مستقبل كبار السن من التحديات إلى التمكين) قابلتنا سيول من الاستفسارات حول تلك الاستدامة المبهرة في خدمة المجتمع التي يتبناها منتدى منيرة الملحم منذ انطلاقته إلى هذا المنتدى في دورته الثامنة عشرة، فقد تشكلتْ من أركان ثلاثة، هي: «المعرفة ممثلة في أوراق العمل الثرية بالفكر الداعم الرصين لموضوع كبار السن والتحديات أمامهم، ثم سبل التمكين وتليها التجارب التي حملتْ ورش العمل راياتها فكانت غزارا! وختام الأركان هي الثقافة في مفهومها العام عندما بث المنتدى الحوار المجزي في جميع منصات الاتصال والتواصل الاجتماعي والإعلامي؛ وكان الحصاد نضرا حيث وصل عدد المرتادين للمنتدى في هذه الدورة ما يقرب من خمسة وثلاثين ألفا حضوريا وعن بعد، وكان للمنتدى استهلال جدير لافت بطرح أربع مبادرات نوعية لتعزيز أدوار كبار السن في التنمية المجتمعية، نوهتْ عنها رئيسة هيئة المنتدى الأستاذة الدكتورة مشاعل السديري وأطلقتها جهات رسمية وطنية تتلخص في مشروع محو الأمية الرقمية لكبار السن ومشروع صحة المرأة الريفية ومشروع احسان بمشاركة مركز السديري الثقافي وبرنامج بركة حياتنا! ولو توقفنا عند المعرفة التي طرحها المتحدثون في محاور المنتدى في هذه الدورة فكأنما الشمس تسللت إلى اللقاء مع كبار السن وجلبت معها عروق الكون مفعمة بكل ما يستحقه كبار السن لتذليل التحديات والتربع على منصات التمكين والاندماج المجتمعي الودود المنتج! وكان هناك ثراء ورواء فيما يتعلق بالواقع الديموغرافي والاجتماعي لكبار السن، وأحسب أنه فيما طُرِح صورة جلية عن واقع كبار السن السكاني ومدى حضور الرافد الاجتماعي عند أولئك والتباين في بعض القطاعات وآليات الوصول إلى التوازن المحقق للهدوء النفسي! كما حمل المنتدى حديثا شاملا بدلائل وشهود على ما يواجه كبار السن من تحديات بسطها الواقع في إهاب منتدى منيرة الملحم ليصهرها في معامل التكرير التي تصنع لكبار السن جودة الحياة وصفائها! وكان لكبار السن القدح المعلى من محتويات الحياة المعاصرة من خلال صفوف من المنجز التكنولوجي الذي يحقق المكانة والتمكين إذ اعتبروه من الأولويات: ومما حظي به موضوع المنتدى طرح مستفيض عن استشراف مستقبل كبار السن في ضوء ما يقدم لهم من المجتمعات في وطننا الكبير ولقد حصد المنتدى في ختامه عددا من التوصيات المتجلية نحو مستقبل كبار السن وحزم من الإضاءات نحوهم تم إيجازها طرحا من رئيسة هيئة المنتدى الأستاذة الدكتورة مشاعل السديري ومنها أن يُتبنى العمر الاجتماعي بدلا من العمر الزمني لتحديد مرحلة الشيخوخة وكمفهوم أكثر شمولية يعكس الاحتياجات والقدرات والإمكانيات والطاقات لكبار السن، وصياغة استراتيجية وطنية لاستثمار خبرات وقدرات كبار السن وتفعيل نظام حقوق كبير السن لضمان الحقوق لهم ولمواكبة العصر وتفعيلا للاتصال والتواصل مع كبار السن أوصى المنتدى بأهمية تصميم وتطوير منظومة متكاملة للتمكين الرقمي العصري لكبار السن، ومن ثم التمكين الثقافي والاجتماعي لتحقيق الاندماج الفكري مع المجتمع والاستفادة من خبرات تلك الفئة الأصيلة من شرائح المجتمع، إضافة إلى تصميم برامج تدريبية لتطوير المهارات المختلفة عند كبار السن لمحو العزلة المجتمعية التي يعانون منها في بعض البيئات والمجتمعات، وحتى يتحقق الاندماج المجتمعي أوصى المنتدى بتفعيل الشراكات من الجهات المختلفة لتقديم مبادرات وبرامج مشتركة لتعزيز مفهوم الاستدامة في تقديم الخدمات لكبار السن، ولكون السكن في مقدمة ما يحقق الاستقرار أوصى المنتدى بالاهتمام وإيجاد الحلول لتوفير ذلك، ولأن جودة الحياة مستهدف وطني تصدر الرؤية الوطنية المحفزة 2030 فقد أوصى منتدى منيرة الملحم بإيجاد مؤشرات وطنية متخصصة لقياس جودة الحياة عند كبار السن لتوفير بيانات دقيقة للجهات المسئولة لتعزيز الجانب الصحي والنفسي والاجتماعي! بوح الختام يوم في الغاط الجميلة أيقظ التاريخ والجغرافيا وأشعل الشوق في لهفة للثقافة والتثاقف في كتاب الحياة الاجتماعية الذي يحمله كل عام منتدى منيرة الملحم رحمها الله! وفيه صفحات وصفحات توقظ العقول فكرا مجتمعيا راقيا فتستيقظ فيه القلوب وتلتقي وتستحث شجرة المجتمع وروابطه الاجتماعية لتورق متينة تصنع جودة الحياة.. دام واستدام وأشرقتْ أرجاؤه ونواحيه!