خلال زيارتي العائلية الأخيرة إلى الرياض، اكتشفتُ أن هذه المدينة لم تعد مجرد وجهة ترفيهية أو مركز خدمات، بل أصبحت نموذجًا واضحًا لجودة الحياة التي تتطلع إليها رؤية المملكة العربية السعودية (2030). فكل مكان في الرياض يحمل رسالة تربوية ووطنية، ويقدّم دُروسًا بسيطة لكنها مؤثرة في الوعي والسلوك. أول هذه الدروس وجدته في قطار الرياض. النظام، دقة المواعيد، النظافة، وحضور السعوديين والسعوديات في كل موقع عمل. مشاهد تُشعرك أن الخدمة ليست مجرد مشروع، بل ثقافة جديدة تُبنى في الوطن. أطفالي لاحظوا ذلك قبل أن أعلق عليه، وهذا هو جوهر التربية غير المباشرة: أن يرى الجيل السلوك ليقتدي به، لا أن يسمعه فقط. أما المسار الرياضي، فقد رسم صورة مختلفة للصحة. تصميم مبهر وأنسنه طاغية للمكان. رأيت عائلات تمشي، شباب بالدراجات، وأطفال يلعبون التسلق والجري... مجتمع كامل يمارس النشاط في بيئة صُممت لتكون جزءًا من نمط الحياة. هنا تدرك أن جودة الحياة ليست شعارات، بل مساحات تُشجّع الإنسان على أن يكون أفضل. وفي موسم الرياض ظهر درس آخر: أن الترفيه يمكن أن يكون صناعة، وأن السعوديين قادرون على تنظيم فعاليات عالمية بثقة عالية. وجود الشباب والشابات يعملون في كل زاوية يؤكد قيمة مهمة: أن العمل هوية، وأن الانتماء ممارسة. أما في حديقة الحيوان، فقد اكتشفت قوة التربية بالدهشة. الطفل الذي يرى الحيوان أمامه، ويفهم قضاياه البيئية، ويتأمل تنوع الخلق، يتعلم الرحمة، والتعاطف، واحترام الحياة. وهذه قيم لا تُعلَّم في الكتب بالفعالية نفسها التي تُعلَّم بها بالتجربة. ولفتني كثيرًا ما يحدث في حديقة السويدي؛ أدهشتني بفعالياتها التي تخصص يومًا لكل بلد. هنا، تعيش العائلة تجربة ثقافية كاملة: موسيقى، عروض، مأكولات، أزياء، عادات...، لكن ما يلفت النظر أن كل هذا التلاقي الثقافي بصناعة سعودية كاملة. هكذا تُزرع في الطفل قيم احترام التنوع، وتقبل الآخر، والفخر بقدرة أبناء بلده على إنتاج فعاليات عالمية بروح سعودية. أما الدرعية، وطريف، وقصر الحكم، فقد كانت رحلة إلى الجذور. أماكن تُذكّر كل زائر بأن قوة الدولة السعودية الأولى لم تكن في حدودها، بل في قيمها: الشجاعة، الوحدة، الولاء، والاعتزاز بالهوية. هذه المواقع ليست تراثًا فقط؛ إنها مدارس مفتوحة تحفظ القيم من جيل إلى جيل، تُعلّم الصغار والكبار أن تاريخ الدولة السعودية الأولى لم يكن حدثًا عابرًا، بل جذورًا ممتدة تصنع حاضرنا. وعند زيارتي للمركز المالي - كافد – تأكد لي أن الرياض تكتب فصلها القادم بهدوء وثقة. أبراج حديثة، تصميم عالمي، وتنظيم يشبه مدن المستقبل. إنها رسالة واضحة: أن المملكة لا تطور حاضرها فقط، بل تصنع موقعها بين الاقتصادات العالمية. يا للأسف.. الوقت لم يسعفني لزيارة كل ما أردت رؤيته، لكن ما شاهدته كان كافيًا لأفهم حجم الجهود التي تبذلها الدولة في رفع جودة الحياة بوصفها أحد مستهدفات الرؤية. الجهود واضحة، ملموسة، ومترجمة إلى تفاصيل يومية يشعر بها المواطن والمقيم والزائر على حد سواء. الدرس الأعمق الذي تقدّمه الرياض اليوم هو أن التنمية ليست مباني فحسب، بل ثقافة كاملة تُبنى مع الإنسان.فكل محطة ميترو، وكل فعالية ترفيهية، وكل مساحة خضراء، وكل مسار رياضي، وكل تجربة حضارية هي في حقيقتها منهج تربوي جديد تصنعه المدينة لأجيال ستقود المملكة نحو 2030 وما بعدها. لهذا عدت من الرياض بقناعة واحدة: أن جودة الحياة ليست مشروعًا حكوميًا فقط، بل ثقافة وطنية تتشكّل، وتنعكس على الإنسان في تفاصيل حياته، وتقوده ليصبح شريكًا فاعلًا في مستقبل وطنٍ يسير بثقة نحو الغد.