في كل صباح، حين يفتح الإنسان عينيه على الحياة، يحمل في صدره، فرصة لا تُقدّر بثمن، فرصة منح الآخرين نورًا صادقًا، يزرع دفءَ القلوب، ويهدي النفوس سكينةً بلا انتظار، بلا ثمن، فقط بابتسامة صادقة، أو تحية رقيقة، أو كلمة حبّ صادقة. ذلك النور، وإن بدا خفيفًا، يخلق صدىً واسعًا، كهمس الريح بين سعف النخل في الأحساء، أو عبير الطَبينه الذي ينساب في الهواء، ينعش الروح ويملأ المكان حيوية وراحةً، كما يفيض الشخص المليء بالنور على من حوله دفئًا وحياة. النور الذي نحمله داخلنا قوة لا تُستنزف، لا يضعفه موقف، ولا يطفئه شخص، ولا يحدّه ظرف. هو شجرة متجذرة في صدقنا، جذورها في ابتسامتنا، وثمارها في كلمة حبّ صادقة، وظلالها في السلام الذي نزرعه في كل مكان. نورٌ يزداد وهجًا مع كل تحية، ويقوى مع كل خطوة نختار فيها العطاء على الأنانية، والبهجة على الحزن، والصفاء على الغضب، والرحمة على الجفاء. نحن أقوى من أي هزّة، وأقدر على حماية شعلة الأمل في داخلنا، فهي ملكنا وحقنا، ولا يحق لأحد أن يأخذها، ولا يمكن لأي تجربة أن تُطفئها. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] وكما يقول المثل الأحسائي المشهور: «من بذر طيبًا في الناس، جمع الخير لنفسه قبل أن يجمعه لهم». فالخير، والحب، والابتسامة والسلام، كل ذلك يعود مضاعفًا، يحيي الروح ويُنعش القلب، ويُبقي الحياة أكثر إشراقًا وبهجة، كما عيون الأحساء وينابيعها تفيض حياةً وانتعاشًا على كل من يمر بجانبها. لذلك، لا نسمح لأي موقفٍ، أو أي شخصٍ، أن يطفئ وهجنا. نبتسم للحياة، ونحيي من حولنا، ونعلم أنّ كل تحدٍ يمرّ علينا، مهما اشتد، لن يضعفنا، بل يزيدنا ثقة وقوة. نورنا أعمق من أي ظلمة، وأقوى من أي عاصفة، وأصفى من أي ماء جارٍ. كل لحظة نزرع فيها النور، نخلق تضادًا بين الظلام والضياء، بين الثقل والخفة، بين الوحدة والصحبة، لتصبح حياتنا لوحة متناغمة من المعاني، موسيقى من القلب، ترددها العيون قبل الألسن. وفي ختام هذا الضوء ودفء الروح، نترك للقلب آخر لحن، رنينه من الأعماق: أشرق بالنور ولو كان قلبك في ظلمةٍ يئنّ، فالسماء تسمع والقلوب تعرف صدقك وتحنّ. فلنجعل نورنا متجددًا، صادقًا، قويًا، لا يضعفه موقف، ولا يثنيه شخص، ليكون القلب منارة للعطاء، والروح مرسى للصفاء، والعالم كله يفيض بوهجنا الجميل.