رُزق قريب لي بطفل مصاب باضطراب طيف التوحد، فوهب نفسه للعناية به ومعالجته و تدريبه وتأهيله كي يعين نفسه، ويعيش باستقلالية ويندمج في المجتمع. رحلة طويلة من العناية الخاصة، والمراكز المتخصصة خارج المملكة، انعكست على قدرته في مرحلتي المراهقة والشباب، بالاندماج الحقيقي، والاعتماد على النفس. كنت أتساءل، ماذا لو لم يكن لوالده القدره المالية على إلحاقه في مراكز متخصصة خارج المملكة؟، الأكيد أنه سيعاني معاناة كبيرة، وسيحرم من فرصة الإندماج والاعتماد على النفس التي حصل عليها بفضل الله ثم باهتمام والديه. ولكن ماذا عن أطفال التوحد الذين لا تستطيع أسرهم توفير العناية الطبية، والإجتماعية، والمهارية لهم؟، خاصة مع ارتفاع نسبة الإصابة بإضطراب طيف التوحد بين الأطفال، عالميا. ومن فضل الله، وتوفيقه، اهتمت المملكة في توفير الرعاية والتأهيل ين بإضطراب الطيف التوحدي، و دعم القطاع غير الربحي، و إنشاء الجمعيات المتخصصة في مناطق المملكة، وأصدرت التشريعات الخاصة بتنظيم القطاع وحوكمته، وتعزيز موارده المالية ما ساهم في ظهور عدد من الجمعيات المتخصصة التي وفرت الخدمات العلاجية المجانية، وخدمات الرعاية لشرائح مختلفة من المجتمع، وساهمت في تلبية الطلب المتنامي على خدماتها وسد فجوة الإحتياج المحلي، والتيسير على المواطنين في توفير خدمات الرعاية، والعلاج، والتدريب المتخصص في مناطقهم. جمعية المدينة للتوحد (تمكن)، إحدى الجمعيات الرائدة في المملكة استجابت لخدمة فئة غالية على قلوبنا جميعا، وهم الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد، وقدمت لهم خدمات جليلة تمتد لأسرهم من خلال تخفيف العبء عليهم، وإسعادهم بدمج أطفالهم بالمجتمع. رسالة نبيلة تقدمها (تمكن) لتدريب وتأهيل الأطفال المصابين بالتوحد وفق أحدث الأساليب العلمية والتربوية، ومن خلال كفاءات متميزة، و تمكينهم من الاندماج في المجتمع والعيش باستقلالية وكرامة. جمعية قائمة على الرحمة، والمسؤولية المجتمعية، والتمكين لأطفال يتمنون العيش، والإندماج في المجتمع، والاعتماد على النفس، ومواجهة مستقبلهم الذي ربما فقدوا فيه من يرعاهم من الوالدين والأقربين. منظومة متكاملة من الرِّعاية والتأهيل والتمكين، توفر أرقى الخدمات لمحتاجيها من المواطنين، بشمولية وجودة عالية، ومنها العلاج السلوكي والتدخل المبكر، لتعزيز مهارات التواصل، والنطق والتخاطب،و العلاج الوظيفي والعلاج الطبيعي، لتمكين الاستقلالية الجسدية والحركية، إضافة إلى الدعم النفسي والتعليمي الخاص لمساندة الأطفال وأسرهم. وبالرغم من أهمية الجمعية ومراكزها المتخصصة وما تقدمه من خدمات، إلا أنها تواجه بتحديات كباقي جمعيات القطاع غير الربحي، وفي مقدمها تحدي التمويل. لا يمكن للجمعية ضمان إستدامة تقديم خدماتها دون توفير الإستدامة المالية التي تمكن الجمعية من مواصلة نشاطها واستقبال عدد أكبر من المحتاجين لخدماتها العلاجية. وفرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، للجمعية بعض الدعم، ما أعانها على تحقيق أهدافها، غير أن تكلفة العلاج وتقديم خدمات التمكين والدمج، وغيرها، تحتاج إلى تكاليف أكبر، ما يتطلب زيادة حجم الدعم المقدم لها من الوزارة، خاصة وأنها توفر خدماتها للأسر السعودية التي ينتقل بعضها للعيش في المدينة المنورة ليحظى أطفالهم بفرصة العلاج في المركز المتخصص. زيادة دعم الوزارة، ربما ساهم في سد جانب من الاحتياجات المالية، غير أن من المهم تحقيق الإستدامة المالية من خلال الأوقاف، التي يفترض أن تكون من أهم مصادر تمويل القطاع غير الربحي. رجال المال والأعمال وشركات القطاع الخاص مطالبة بأن يكون لها دور أكبر في تمويل الجمعية، وتمويل إنشاء أوقاف خاصة بها، تحقق لها الإستدامة المالية، وبالتالي ضمان استدامة خدماتها وتوسعها مستقبلا. الوقف من أعظم الصدقات الجارية، وله أهمية قصوى في تحقيق التكافل الاجتماعي والاقتصادي، ويدعم احتياجات المجتمع الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم، بالإضافة إلى دوره في حماية الأسر وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. ومتى ارتبط الوقف بصحة الأطفال، وتعليمهم وتدريبهم، وتوفير الرعاية الصحية لهم، أصبح أكثر أهمية، وأعظم نفعا. أرجو أن تكون هناك شراكة بين جمعية المدينة للتوحد، وأمانة منطقة المدينة المنورة لتوفير أراض حكومية يمكن استخدامها لبناء أوقاف للجمعية، وبتمويل مباشر من رجال المال والأعمال والقطاع الخاص في المدينة المنورة، وبما يضمن للجمعية التمويل المستدام مستقبلا، ويمكنها من مواصلة تقديم خدماتها المتميزة للأطفال المصابين بالطيف التوحدي وأسرهم.