تشرَّفت بزيارة فعاليات (نور الرياض) المستمرة في عدة مواقع بالعاصمة الرياض حتى السادس من ديسمبر المقبل، وتحت شعار (في لمح البصر) جمعت لوحات نور الرياض بين الضوء والفن بشكل ساحر، وبمشاهد ولوحات فائقة الروعة والجمال، جعلتني أُعيد البصر كرتين، في زيارة لن تكون الأخيرة. وتأكدت أكثر وأنا أمعن النظر في هذه الأعمال الفنية العالمية. إن الفن يتحدث بكل لغات العالم، حينما اجتمع أفضل الفنانين من شتى قارات العالم ليقدموا لنا أعمالاً فنية تراوغنا -كأمهر لاعبي كرة القدم- بين ثنائية الضوء والظلام التي شع فيها نور الرياض، وحتماً لن ينطفئ، ماضياً بنا نحو الأمل الذي لا ينتهي. وبينما أنا سارح في لوحة النار المُتقاطرة من الفوانيس المعلقة على الشجرة، تأملت النور الذي يتغلغل في أعماقنا مشعاً من فطرتنا التي فطرنا الله سبحانه وتعالى عليها، فكان الإسلام هو النور الذي قال عنه سبحانه وتعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} (التوبة:32). وكانت الهداية إلى الطريق السليم والصراط المستقيم هي النور أيضاً، حينما أكد الرحمن الرحيم هذا المعنى بقوله في سورة النور {نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} (النور:35) ومن بين العديد من الأعمال الجميلة أسرتني لوحة النار، فهل هي النار الحقيقة التي نهرب منها إلى الوهم المريح؟ وهل هي نار الحيرة التي نقف فيها في منتصف الاحتمالات المُرهِقَة؟ وهل هي نار الأسئلة القلقة التي نتأرجح فيها بين الوصول من عدمه باحثين عن بوصلتنا في الحياة؟ وأمام النور الذي يخرج من هذه النار انهمرت أيضاً في ذهني هذه التساؤلات: فهل هي القبس الذي نستضيء به في الليالي المظلمة؟ وهل هو نور البصيرة التي تجعلنا نبصر حتى ولو كنا في قلب الظلام؟ وهل هذا النور يطفئ لهيب النار المترنحة في دواخلنا بين صراع الشهوات والشبهات وصراع الطينية والملائكية؟ أم أنها النار التي استبطت في داخلها النور الوهاج لكي نمضي إلى حيث يجب أن نكون؟ أم أن أهم أهداف هذه الفنون طرح الأسئلة لأن (الفن ألا تصل) كما قالوا! وارتبطت هذا العام مشاهد «نور الرياض» بمحطات المترو، متناغمة بذلك مع جوهر الحركة والسرعة في معراج التنمية المتواصلة التي تشهدها العاصمة الرياض، وتماهت مع تدفق ركاب المترو في تغيير أشكالها البديعة، مُعبِّرة عن نبض الرياض المتسارع، حيث ترمز شبكة المترو إلى الترابط الإنساني الذي يتيحه قطار الرياض من خلال التفاعل البشري العالمي الذي نراه في محطاته كل يوم، مؤكداً بذلك أن الرياض أصبحت قبلة العالم نحو التنمية المستدامة، والفرص المثمرة، والخيارات الرابحة. نعم.. كل شيء يحدث «في لمح البصر» في الرياض التي تتغيَّر بسرعة هائلة، فكان «نور الرياض» هو الاحتفاء بها كمدينة متجددة على الدوام، يلتقي فيها الإرث التليد بالحاضر المجيد، لتتظافر فوتونات الضوء المشعة في إضاءة مستقبل مدينة الحالمين نحو آفاق لا حدود لها، مُوظفة بذلك أحدث التقنيات في هذه العناصر المشعة المبهرة، مؤكدة عمق العلاقة بين الإنسان والابتكار في صناعة التحولات التي تشهدها المدن المعاصرة والمتقدمة عالمياً مثل الرياض المدينة التي لا تنام.