لقد أثبتت قمة البحرين أن مسار التكامل الخليجي يمضي بثبات، وأن الدور السعودي في دعم السلام -ولا سيما في السودان- أصبح ركناً لا يمكن تجاوزه في معادلة الاستقرار الإقليمي.. فالرؤية واضحة، والتنفيذ مستمر، والقيادة واعية، والنتائج تتحدث عن نفسها؛ خليج أكثر تماسكًا، وسياسة سعودية أكثر تأثيرًا، ومستقبل يكتب بلغة الفعل لا التمني.. لم تكن قمة البحرين الثالثة والأربعون للمجلس الأعلى لمجلس التعاون مجرد اجتماع دوري يُعقد وفق تقويم سياسي ثابت، بل كانت حدثاً يحمل من الرمزية والرسائل ما يتجاوز البيانات الختامية إلى عمق التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة. فقد جاءت القمة وسط تحديات إقليمية دقيقة لتؤكد أن المشروع الخليجي المشترك لم يعد خياراً سياسياً، بل أصبح رؤية تنفيذية متكاملة تسير على خطى واضحة رسمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– منذ تأكيده أن “وحدة الصف الخليجي صمام أمان المنطقة”. ويمكن ملاحظة أن تركيز القمة على ضرورة التنفيذ الكامل لرؤية خادم الحرمين الشريفين يعكس انتقالاً نوعياً من مجرد التعاون التقليدي إلى مرحلة التكامل الحقيقي، حيث تعاد صياغة مفهوم الشراكة الخليجية عبر توحيد الجهود الدفاعية وتعميق السوق الخليجية المشتركة وتفعيل العمل المؤسسي المشترك. فمنذ طرح الملك سلمان هذه الرؤية في قمة الرياض عام 2015، كانت المملكة واضحة في أن الخطط لن تبقى في الأدراج، بل ستتحول إلى برامج قابلة للتنفيذ ونتائج ملموسة، وهو ما تؤكده قمة البحرين بوضوح. وقد كان لافتاً في القمة حجم الإشادة الخليجية بالدور الذي يقوم به صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، خصوصاً في الملفات الإقليمية التي تحتاج إلى دبلوماسية صبورة وبراغماتية دون ضجيج. فالسياسة الخارجية السعودية الجديدة لم تعد قائمة على ردود الفعل، بل على هندسة حلول ترتكز على الفعل لا الانفعال، وعلى بناء الشراكات وليس إدارة الأزمات فقط. ويتجلى هذا بوضوح في الملف السوداني الذي أصبح أحد أعقد ملفات المنطقة وأشدها حساسية. فالسعودية، عبر مباحثات جدة تحديداً، قدمت مقاربة مختلفة في التعامل مع الأزمة السودانية، مقاربة تنطلق من أن السلام ليس شعاراً يُرفع، بل مسار طويل يحتاج إلى تثبيت وقف النار، وتهيئة بيئة تفاوضية عادلة، وضمانات إنسانية واقتصادية تمنع عودة الدائرة نفسها من العنف. ولذلك ركزت المملكة على ثلاثة أبعاد: دعم الحل السياسي الشامل، حماية المدنيين وتحييدهم عن الصراع، والالتزام بواجبها الإنساني عبر المبادرات الإغاثية بالتنسيق مع الشركاء الدوليين. هذه المقاربة جعلت من السعودية صوتاً مسموعاً وثقة دولية في إمكان الوصول إلى تسوية، وهو ما دفع قادة الخليج إلى تثمين الجهود الكبيرة التي يقودها ولي العهد في هذا الملف الحيوي. وإلى جانب الملف السوداني، عكست القمة حالة من التوافق غير المسبوق بين دول الخليج تجاه القضايا الإقليمية كافة: من غزة إلى أمن البحر الأحمر إلى استقرار أسواق الطاقة. وهذا التوافق لم يكن حالة طارئة، بل نتيجة لمسار طويل من العمل الدؤوب الذي أعاد ترتيب البيت الخليجي وفق رؤية تعتبر أن التكامل هو الخيار الوحيد في عالم لا ينتظر المترددين. ولذلك فإن التحول من “الخليج المتأثر” إلى “الخليج الفاعل” بات واقعاً يثبته كل اجتماع خليجي، وآخرها قمة البحرين التي أكدت أن المستقبل يُبنى بالوعي القيادي لا بالصدفة. لقد أثبتت القمة أن الرؤية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين ليست مجرد إطار فكري، بل مشروع إقليمي يتجدد كل عام بإنجازات عملية. كما أثبتت أن السعودية، بقيادة ولي العهد، أصبحت مركز الثقل الاستراتيجي في المنطقة، وصاحبة الدور الأكثر تأثيراً في صناعة السلام واستقرار الإقليم. ومع كل تحولات العالم من حولنا، تبرز المملكة كقوة إسناد سياسية واقتصادية ودبلوماسية، ليس للخليج وحده، بل للمنطقة العربية بأكملها. وهكذا، تؤكد قمة البحرين أن مسار التكامل الخليجي يمضي بثبات، وأن الدور السعودي في دعم السلام -ولا سيما في السودان- أصبح ركناً لا يمكن تجاوزه في معادلة الاستقرار الإقليمي. فالرؤية واضحة، والتنفيذ مستمر، والقيادة واعية، والنتائج تتحدث عن نفسها: خليج أكثر تماسكا، وسياسة سعودية أكثر تأثيراً، ومستقبل يكتب بلغة الفعل لا التمني.