الحديث عن القطاع قد يحتاج لمقالات وأبحاث عديدة تتناول كافة جوانبه؛ نظراً لأهميته كدرع حامٍ للاقتصاد وللمجتمع من حيث الخدمات التي يقدمها سواء فيما يخص تغطية تأمين الأملاك العامة والخاصة، أو دعم توفير الخدمة الصحية للأفراد والتي تعد من اهم أعمال التأمين؛ نظراً لتكاليفها المرتفعة وكون الطلب عليها ينمو وغير مرن، أي مهما ارتفعت تكلفتها سيبقى الطلب عليها قائماً، لكن عند النظر للقطاع من جانب شمولي فاليوم أكثر ما يفرض نفسه بالحديث عنه من الناحية الاقتصادية كونه أيضاً يعد قطاعاً مالياً مهماً هو مدى استدامة خدماته بالجودة المطلوبة، والدور الذي ينتظر منه في المستقبل تماشياً مع تطورات الاقتصاد الوطني بعد انطلاق رؤية 2030 التي ضاعفت حجم الاقتصاد تقريباً خلال تسعة أعوام من عمرها. فبعد قرابة عشرين عاماً من التحول بالقطاع نحو تأسيس شركات تأمين وطنية وإدراجها بالسوق المالية حتي تخطى عددها الثلاثين شركة دخل العديد منها في دوامة الخسائر من رأس المال، فقد أقر حينها النظام ألا يقل رأس المال عن 100 مليون ريال وهو رقم زهيد جداً؛ نظراً لأن القطاع يحتاج لشركات برأس مال عامل أكبر من ذلك بكثير، إضافة لحرب الأسعار التي شهدها القطاع في حينها ومن ثم تمت معالجة هذا الخلل التنافسي السلبي ووضع ضوابط عديدة تحمي استدامة عمل شركات القطاع وطبعاً بجودة خدمات وموثوقية أعلى للمستفيدين، ثم تم تشجيع الشركات على الاندماج لكي تنشئ كيانات أقوى ونفذت عدة اندماجات واستحواذات، وهناك شركات غادرت السوق إما بإقفال أعمالها نظراً لعدم قدرتها على الاستمرار أو شركات تأمين أجنبية خرجت من حصصها التي تملكها في كيانات تم تأسيسها مع شريك محلي، وهو أمر يطرح تساؤلاً عريضاً حول أسباب تخارجهم من السوق، فإذا كانت رغبتهم في العودة بكيان مملوك كاملاً لهم فلماذا يتخارجون من الأساس؟ إذ بإمكانهم شراء باقي الحصص في الشركة والاستمرار بالعمل حيث إن الشركات التي كانوا بها تحمل اسمهم التجاري. لكن التساؤل اليوم هو عن استراتيجية التأمين هل أصبح من الضروري إطلاق نسخة جديدة منها، وماذا ستضيف لكي يصبح القطاع جاذباً للاستثمار فيه سواء من رؤوس أموال محلية أو بقدوم شركات تأمين أجنبية، وكم يحتاج السوق من شركة بكل فروعه سواء التسويق أو التأمين عبر منتجات متنوعة أو إعادة التأمين، وكيف سيتم حوكمة القطاع وضبط ممارساته وتعزيز الثقة به لدى المستفيدين؟ فبعد إنشاء هيئة خاصة بالقطاع أصبح هناك توجه واضح لأن يكون له دور اقتصادي ومجتمعي واسع النطاق، فمن المعروف عالمياً أن حجم القطاع لا يجب ألا يقل عن 5 بالمائة من الناتج الإجمالي، فتأمين الأفراد والممتلكات الخاصة والعامة أصبح ضرورة وليس ترفاً، ولذلك بات مهماً إعادة إطلاق استراتيجية جديدة للقطاع تدعم نموه وتعزز الموثوقية فيه وتحفظ الحقوق مع توفير الخدمة بالدقة والمستوى المستهدف لإرضاء العميل. كما أن مثل هذه الاستراتيجيات يفترض أن تكون معدة للتطبيق على مراحل زمنية طويلة تمتد لما لا يقل عن 15 عاماً؛ لأن الوعي بثقافة التأمين تراكمي ويجب مراعاة ذلك، فكم من الوقت تطلب الأمر لتزداد قناعة الأفراد بتأمين مركباتهم سنوياً؟ فإذا طرحت منتجات تتعلق بتامين أي ممتلكات خاصة فكم سيحتاج الأمر لكي يصبح ثقافة سائدة؟ كما أن أي منتجات إلزامية أخرى تحتاج لدراسة قدرة الفرد مادياً عليها، وهل زيادة أقساط التأمين من خلال تلك المنتجات سيكون لها تأثير على ارتفاع سعر تلك الأصول أو الأملاك مثل المساكن الخاصة، وهل سيكون لذلك أثر سلبي على التزامات الفرد اتجاه أساسيات أخرى، أو سيؤثر سلباً على إنفاقه الاستهلاكي مما ينعكس سلباً على قطاعات التجزئة والسياحة وغيرها وبالتالي يكون أثره سلبياً على دعم النمو الاقتصادي؟ قطاع التأمين أحد ركائز الاقتصاد المهمة والأساسية ويحتاج للانتقال لمرحلة مختلفة من إعادة الهيكلة بكياناته وجودة خدماته ودوره الاستثماري بالأصول، فهو يعد من أهم المستثمرين بأسواق المال وكذلك يحتاج لتعدد بمنتجاته مع تنافسية عادلة ومعالجة شاملة لواقع العديد من الشركات التي أسست منذ عقدين ومدرجة بالسوق المالية وتعاني من عدم استقرار في نمو أعمالها واستدامة ربحيتها، وهو ما عزز من كونه قطاعاً مضاربياً غير مستقر بأسعار أسهمه وتتذبذب بشكل كبير جداً، فالإشكالية ليست بالنظرة له من قبل المستثمرين من حيث تصنيفه قطاعاً للمضاربات بل بتذبذب إيراداته ونتائج شركاته المتقلبة بشكل حاد ما بين الربح والخسارة التي تمنع استقرار الاستثمارات فيه من قبل الأفراد أو حتى الصناديق الاستثمارية لفترات طويلة، باستثناء عدد قليل من الشركات ذات رأس المال الضخم التي تستحوذ على حصص كبيرة من منتجات التأمين الأكثر نشاطاً مثل الطبية والمركبات.