عندما يكون الحديث متاحاً وضرورياً حول تنظيم أنشطة المواد البترولية والبتروكيماوية، بالذات في محطات الوقود المنتشرة في شوارعنا وطرقاتنا، هنا نتذكر أمورا أساسية وتحديات كبرى! هذه التحديات عَرفنا أبرزها في ورشة عمل نظمتها وزارة الطاقة لأعضاء (الجمعية السعودية لكتاب الراي) الثلاثاء الماضي. هذه الورشة تزامنت مع مناسبات نوعية في منظومة الطاقة؛ فقد شهدنا إطلاق نموذج حماية المستهلك في الكهرباء، وانعقاد (المؤتمر الدولي للتأهب للطوارئ والاستجابة النووية الإشعاعية لعام 2025) الذي عقد في الرياض الأسبوع الماضي بحضور نخبة من الخبراء والمسؤولين الدوليين. ويأتي هذا المؤتمر الدولي بعد سنوات معدودة من إنشاء هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في المملكة، ويؤكد حرص المملكة على الأمان والأمن النووي والاشعاعي. الآن نشهد تناغم وتكامل عمل منظومة الطاقة، وهذا يقدم قصة نجاح سعودية. في (برنامج تنظيم المنتجات البترولية) اتضحت أهمية القناعة السياسية بان تعقد المشكلات في قطاع معين تجعله (قطاعا سياديا)، أي ضرورة دخول الدولة بقوة عبر برنامج موحد لمعالجة المشكلات. النجاح لهذه القناعة رأيناه في هذا البرنامج، فلدينا اكثر من 7000 محطة وقود، وأكثر من 3000 مُشغّل. وبعد تحليل الوضع تم اكتشاف 554 غير مؤهلة للنشاط، وعشرات المحطات غير مرخصة، ومثلها محطات مغلقة، ولعل المفرح بهذا الأمر والذي يعكس كفاءة القيادة والإشراف على البرنامج، هو الانتقال السريع لمعالجة المشاكل والتحديات بقوة، وبسرعة فعالة. إعلان الآن وبحسب ما شرحه القائمون على الورشة يوجد 66 شركة مشغلة عالمية ومحلية، وهناك 4 شركات عالمية جديدة تم استقطابها إلى السوق المحلية، ولدينا 350 محطة فردية تعمل بالامتياز التجاري. والأهم هو: الاستغناء عن العمالة غير الماهرة، التي كانت تتعامل مع قطاع حساس ومهم. ومستقبلاً وبعد التخلص الذكي من العمالة غير الماهرة عبر التنظيم ورفع متطلبات التشغيل.. سيكون نشاط المحطات مهيأ لجذب العمالة الوطنية لأن المحطات سوف تكون رقمية، وقائد السيارة يخدم نفسه؛ وسوف تتيح لرواد الأعمال تملك وتشغيل المحطات الصغيرة المدمجة والمتنقلة بكفاءة عالية. هذه المكتسبات الحالية السريعة تحققت بعد إطلاق الوزارة لبرنامج متكامل لمعالجة أربعة مجالات تمس احتياجات المواطن والنشاط التجاري، وهي: محطات الوقود، ومراكز الخدمة، ومراكز التوزيع، وزيوت التشحيم، وغاز البترول السائل. ومع هذا البرنامج تحددت عدة أدوار جديدة للوزارة مثل: الرقابة على النشاط، وضبط جودة المنتجات البترولية، والتراخيص للأنشطة الجديدة، والعناية بالشركاء، وإدارة الخدمات في موسم الحج. وأيضا أدخلت (خدمة العملاء) كمسار جديد في الوزارة. لقد بدا البرنامج بمعالجة التحديات الرئيسية، وفي الورشة لمسنا الحرص على وضع القاعدة الأساسية العلمية لتنظيم القطاع بعد التحليل الفني الدقيق للتحديات والفرص المتاحة، مع الاحتياط للمخاطر. وهذا فتح البرنامج لـ(الإبداع والتطوير) في تقديم الخدمات ومعالجة المشاكل. وضع محطات الوقود ظل ولأكثر من أربعين عاما يشكل تحدياً كبيراً خصوصاً في السلامة. لقد كان بعض قائدي المركبات لا يلتزمون بالتعليمات المعلقة أمامهم، والشاحنات تزود المحطات بالوقود والأنشطة مستمرة، والمدخنون لا احد يمنعهم. وهذا جعل المحطات (رعباً قائماً) في الأحياء السكنية! بعد التنظيم الجديد، وتفعيل دور الأمن العام عبر ربط كاميرات المراقبة بالمنظومة الأمنية المتطورة، سوف تتحول المحطات إلى صديقة وخادمة الحي السكني. إنه تطور في جودة الحياة. وقائمة التحديات ومناطق الألم للمستهلكين التي رصدتها الوزارة في مشروعها الوطني تجاوزت الأمور التي نعرفها. لقد وجدوا أمورا أخرى كبرى مثل المحطات التي تعمل بدون تراخيص، مع غياب الخدمة في طرق ومواقع رئيسية. أيضا وجدوا محطات مهجورة تحتاج تكاليف عالية لإزالتها ومعالجة الأضرار البيئية. ايضاً وجدوا بعض المحطات تشكل مصدرا للإخلال بمتطلبات التخلص الآمن من زيوت المركبات، والإطارات، ومخلفات المحلات والورش التي تعمل فيها. هذه الفوضى البيئية أهدرت فرصا اقتصادية كبيرة جدا لصناعة التدوير. هذه الممارسات الضارة لم تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل امتدت إلى مخاطر أمنية، مثل سهولة ممارسة غسيل الأموال بسبب الاعتماد الواسع على الدفع النقدي في هذه المحطات. بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل نتيجة الاعتماد على عمالة غير ماهرة بنسبة عالية أدت لتدني الخدمات والصيانة، وهذا يهيئ الظروف للحوادث والحرائق. أيضا شكلت المحطات مصدراً خصباً لـ(التلوث البصري) في مدننا وعلى طرقاتنا. كما انتشرت طوال سنين مضت حالات الغش في المحطات غير المرخصة التي تعمل خارج الإشراف، وتدار عبر التستر التجاري. كذلك أوجدت تحديا لمتطلبات السلامة المرورية، فلا ضوابط للدخول والخروج داخل المحطات، ولا ضوابط تراعي الحركة المرورية القريبة منها، مما جعلها فضاءا مفتوحا للعبور وتجاوز الزحمة، وزاد الأمر سوءا السماح ببيع القهوة والشاهي! هكذا كان الوضع قبل صدور نظام المواد البترولية والبتروكيماوية في عام 1446هـ. هذا النظام، الذي يتكون من 22 مادة تشريعية، جاء ليكون إطار شامل ينظم سلسلة التوريد الكاملة للمنتجات البترولية، مع التركيز الخاص على محطات الوقود ومحلات التجزئة لبيع الغاز. ويغطي النظام عمليات الاستخدام، البيع، النقل، التخزين، والتعبئة، ويحل محل الإطار السابق الصادر عام 1439هـ، الذي كشف عن فجوات كبيرة في التنظيم والحوكمة. وزارة الطاقة استفادت من تجارب سابقه نجحت في رفع كفاءة ادارة الموارد البترولية، ونتذكر هنا (برنامج كفاءة الطاقة) الذي وضع خط الأساس لمعالجة مشاكل منظومة الطاقة، وأسس لـ(نموذج عمل) نجح في إدارة التغيير وتفعيل دور الشركاء الأساسيين بالذات المواطن، المستهلك والمستثمر. وقصة النجاح لهذا النموذج نستثمرها الآن لتنظم سوق المنتجات البترولية السعودية التي تواجه تحديات هيكلية عميقة، أثرت على جودة الخدمات وكفاءة القطاع. والهدف الأساسي تنمية القطاع الخاص وتهيئة بيئة تنافسية جاذبه، وحماية المستهلك من الممارسات غير النظامية الضارة. (ليتنا نستفيد من النموذج لمعالجة صناعة التدوير وإدارة النفايات التائهة!). من أبرز إنجازات النظام في أقل من عام على إطلاقه هو تعزيز التوظيف كجزء أساسي من التوطين والتنمية البشرية. وأبرز النجاحات هو اعتماد وزارة الطاقة على موظفيها. لقد شاهدنا واستمتعنا بالإنجاز ونحن نرى 250 سعوديا وسعودية في وكالة الوزارة يتولون جميع الأعمال العلمية والفنية والإدارية المساندة؛ والاهم: الرقابة الميدانية يتولاها 430 مراقبا ومراقبة تم تأهيلهم وتدريبهم على المهمات الميدانية، خصوصاً متطلبات السلامة التي تحميهم أولاً. سابقا، وفي جانب العمل، حرمتنا البيئة غير المنظمة في القطاع من توليد فرص التوظيف للسعوديين في هذه الصناعة الكبيرة. في مجال الغاز المسال، هناك إنجازات مهمه للبرنامج، فالمستهدف فتح المنافسة بعد احتكار القطاع لمدة 50 عاما، مع رفع الجودة وتسهيل الوصول للخدمات مع ضمان أمن الإمدادات، وتحقيق عدالة وكفاءة التكلفة للمستهلك وللمستثمر. وفي مسار تسهيل رحلة العميل هناك توجه إلى نشر محطات لتوزيع اسطوانات الغاز في المتاجر الكبرى، ومحطات الوقود ونقاط بيع ذاتيه، مع التوجه لأن يتم طلبها عبر التطبيقات الرقمية. أيضا هناك مسار لتنظيم خدمات بيع زيوت التشحيم. وهناك جانب مهم للخدمة ولسمعة بلادنا، وهو تطبيق ضوابط جديدة وصارمة لمحطات الوقود في جميع الطريق الفرعية والرئيسية التي تخدم الحجاج والمعتمرين، بالذات توفر النظافة، والمصليات، ودورات المياه، وخدمات الصيانة للمركبات. ولأجل ضمان الجودة للمنتجات البترولية، وحماية لسمعة الصناعة في المملكة من التلاعب والغش في سلسلة الإمداد، تم وضع نظام مراقبة على مدار الساعة لحركة اكثر من 1300 شاحنه. والرقابة الصارمة منعت في الأشهر الماضية 466 حالة خطرة وشيكة في حركة الشاحنات. وتطبيق الجودة تطلب تدريب مكثف للعمالة على تنفيذ اشتراطات السلامة، وتصلهم التعليمات عبر (خمس لغات) لضمان دقة المعلومة الضرورية للسلامة. لقد ساعدت هذه النقلة النوعية في خدمات وزارة الطاقة في امور جوهرية مثل: ضمان وصول المنتجات البترولية إلى مستحقيها الأساسيين خصوصا أن هناك منتجات بترولية مدعومة من الحكومة، فهذه ثروة وطنية يجب حمايتها وحسن إدارتها وتوزيعها. وهذا يطبق على استهلاك الديزل، حيث يتم ضبط عمليات التهريب، وايقاف استخدام الديزل في الكهرباء الاحتياطية للمنشآت الكبرى، فكفاءة استخدام الطاقة وتوفير الاستهلاك من المستهدفات الوطنية الأساسية للبرنامج. بقي القول إن تطبيق نظام المواد البترولية والبتروكيماوية ساعد في تطوير الخدمات للمستهلكين، وساعد المستثمرين على تخطي العوائق البيروقراطية، فالمستهدف الآن إصدار التراخيص للنشاط خلال ثلاثة أيام. والاهم: يقدم رؤية استراتيجية عملية في كيفية تحويل التحديات إلى فرص نمو مستدام، مدعومًا بقيادة سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان وخبراء الوزارة وقياداتها وفريقها الاحترافي السعودي الطموح من الشابات والشباب؛ فمن خلال تعزيز الحوكمة، وحماية المستهلكين، ودفع عجلة التوظيف، سوف يساهم البرنامج في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، مما يعزز مكانة المملكة كمركز عالمي للطاقة المستدامة. ومع استمرار الجهود، من المتوقع أن يصبح هذا النظام نموذجًا إقليميًا للتنظيم الفعال في قطاع الطاقة.