×
محافظة مكة المكرمة

المرأة في القنفذة إرث عريق

صورة الخبر

عبر العصور، تجلت المرأة السعودية في أبهى صور الصبر والكفاح، ولا سيّما في محافظة القنفذة، حيث لُقّبت قديمًا بـ"المرأة الحديدية"، لما أبدته من جلَدٍ وقدرة على مواجهة الظروف القاسية، ومشاركتها الفاعلة في تفاصيل الحياة اليومية، جنبًا إلى جنب مع الرجل. في زمنٍ مضى، قبل ما يربو على نصف قرن، كانت المرأة في القنفذة تؤدي أعمالًا شاقة بلا كلل، بدءًا من الزراعة، مرورًا بتأمين احتياجات الأسرة، وانتهاءً بتسويق المنتجات المنزلية في الأسواق الشعبية. كنتُ شاهدًا على تلك الأيام، يوم كانت "المجدعة" -وهي المرأة التي تقص عذوق الذرة- تمضي يومها بين الحقول، تجمع العذوق بعد أن يُعدّها الرجال في المساطير، وتمضي الليل في ضربها بالعصا لاستخراج الحبوب، ثم تنقيها وتطحنها بجهدٍ بالغ، لتخبزها في "الميفا"، معرضة نفسها للّهيب والنار، لتقدّم لأهلها وجبة عشاء تعبق برائحة التضحية. أما "الورادة" -وهي من تجلب الماء من الآبار المكشوفة في القرب الجلدية- فكانت تحمل الماء على ظهر الحمار، وتشدّ رحالها إلى الوادي لتبيعه للعاملين هناك، وفي جانب آخر من القربة، زنبيل صغير يحوي أكياس السكر والشاي وحليب "وادي فاطمة"، تبيعه مقابل حفنة من حبّ الذرة أو من عذوقها الممتلئة. لم تكن هذه المرأة مجرد عاملة في الحقل، بل كانت تاجرة صغيرة، تسوّق السمن والزبدة والطيب في الأسواق الشعبية، وتتحمّل وحدها عبء جلب الماء للبيت من الآبار البعيدة كـ"قطيطه" في الحبيل، وبئر سوق الخميس، وبئر "اللُقَيمية" غرب القوز. كانت -وما زالت- ربّة بيت من الطراز الرفيع، تصنع الطعام بثلاث وجبات يومية مليئة بالمذاق الأصيل، والنكهة المتوارثة من طُهر الجدّات. وها هي اليوم، المرأة السعودية، في حاضرها المشرق، تثبت أنها أهلٌ للمسؤولية، تسهم بفعالية في قطاعات التنمية والتعليم والصحة والقيادة، محتفظة بهيبتها المجتمعية، وإرثها العريق. ختامًا نقول: لله درّكِ أيتها المرأة السعودية، فقد أثبتِ عبر الماضي والحاضر أنكِ رمز للصمود، وأيقونة للإنجاز.