لا تستعجبوا إن قلت أننا نعيش في أصعب وأغرب حقبة في التاريخ حيث تغيرت أشكالنا وأفكارنا وطموحاتنا وأهدافنا، وأصبح الصح خطأ، والعيب مباح، والكذب ذكاء، والوقاحة قوة شخصية، والخجل خلل في الشخصية يجب معالجته، تعاليم الدين وجهات نظر، والأغلبية ترجح الخطأ مادام هو السائد، نسير مع القطيع حتى لو كنا نعرف أن الهاوية في آخر الطريق؛ طبقا للمثل القائل «حشر مع الناس عيد» نعيش أياما ليست أيامنا ونحيا حياة ليست حياتنا، فليست وحدها المفاهيم والقيم هي التي تغيرت، وإنما الغايات أيضا، ليس التوازن في مشينا فقط قد يختل وإنما توازن أفكارنا قد يختل ويعرج هو الآخر. في الماضي كنا نأكل لنعيش، اليوم أصبحنا نأكل لنمرح ونتسلى ولتمضية أوقات فراغنا، وكنا نشرب القهوة لتساعدنا على الاستيقاظ صباحا، أو لتعديل المزاج مساء، فإذا بنا اليوم نشتريها لنصورها فيرانا العالم بأكملها وكأنها دليل رقينا - مع أنني و رغم أبحاثي المطولة - إلا أنني عجزت عن إيجاد الرابط العجيب بين الرقي وبين كوب قهوة يحتاج ذكر اسمه لمقال آخر، ومن ثم نشربها باردة بلا طعم، في الماضي كنا نستعمل الساعات لمعرفة الوقت اليوم نرتدي الساعات لنتباهى بثرائنا وقدرتنا على امتلاك الماركة الفلانية، وكانت النساء تبتاع الحقائب ليضعن بها مقتنياتهن أما اليوم فهن يستعملنها ليستعرضن ثرائهن، قس ذلك على الأحذية أيضا، فقد أصبحت وبكل أسف قيمة مقتنيات الإنسان هي التي تحدد مكانته و قيمته و تقدير الآخرين له، أما مكانته العلمية وأخلاقه وصفاته الشخصية فهي أشياء ثانوية تأتي في المرتبة الأخيرة أن أتت أصلا، كنا فيما مضى، نلبس لنستر اجسادنا واليوم نبحث عن الملابس التي تعريها فقد انتشر مفهوم غريب، كلما ازداد عريك ازداد رقيك، حتى معاير الجمال فمتغيرة بسرعة تغير درجة الحرارة ما بين الصيف و الشتاء؛ فمن مقياس التعري كالقردة، لأنوف الخنازير- التي كانت رائجة في فترة ما - لبوز البطة، لترند الغزالة، ولا ندري من الحيوان الذي ستكون عليه العين، آمل ألا نصل لكرش البقرة. أما الذكور الذين اختفت معالم الرجولة من أشكالهم وطباعهم - إلا من رحم ربي - فحدث ولا حرج فمن ارتداء السلاسل للأقراط لملابس النساء بشكل فاضح ومخز، لاستخدام مستحضرات التجميل وإعطاء الدروس للفتيات بهذا الأمر، لامتهان مهن كانت تعاب على النساء أنفسهن، نعم فقد اصبحنا نرى راقصين شرقيين، فإلى أين سيصل بنا التقدم وإلى أين ستقودنا الحرية الشخصية. ثم نجدنا ننظر حولنا ونضرب كفا بكف، صارخين ما كل تلك الكوارث والحروب و الزلازل والغلاء، دون أن نفكر للحظة أن هذا جنى زرعنا. ثم نعود لنعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.. ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق لنا الزمان هجانا