×
محافظة حائل

السعودية أرض الحضارات

صورة الخبر

لطالما رُبطت بدايات الحضارة الإنسانية بالأهرامات في مصر، وألواح الطين في بلاد الرافدين، وتماثيل الإغريق، وآثار روما. لكن ماذا لو أخبرتكم أن على هذه الأرض، أرض المملكة العربية السعودية، وُجد الإنسان قبل أن يُرفع حجر في الجيزة، وقبل أن يُنقش حرف في سومر؟ في شمال المملكة، وتحديدًا في الشويحطية بمنطقة الجوف، اكتُشفت أدوات حجرية تعود إلى نحو 1.3 مليون سنة قبل الميلاد، تُعد من أقدم الشواهد على الاستيطان البشري في العالم. وفي الجنوب، برزت حضارة المقر نحو 9000 سنة قبل الميلاد؛ حيث مارس الإنسان الزراعة، وصناعة الأدوات، واستأنس الخيل لأول مرة في التاريخ، أي قبل آلاف السنين من بناء الأهرامات. أما في حائل، فقد نحت الإنسان نقوشًا صخرية تعود إلى 8000 سنة قبل الميلاد في موقعي جبة والشويمس، تُصوّر مشاهد صيد وتفاعلات اجتماعية، وتُعد من أقدم أشكال الفن الإنساني الموثق. ثم ظهرت المستطيلات الحجرية في شمال غرب المملكة نحو 5300 سنة قبل الميلاد، وهي منشآت ضخمة اعتُبرت من أقدم المعالم المعمارية الطقسية في العالم، تدل على وجود طقوس جماعية وروح دينية مبكرة. وفي المنطقة الشرقية، شكّلت جزيرة تاروت منذ 5000 سنة قبل الميلاد مركزًا بحريًا بارزًا ارتبط بحضارة دلمون، وكانت ملتقى للتجارة البحرية بين حضارات السند وبلاد الرافدين. أما تيماء، المدينة التاريخية، فكانت موطنًا لحضارات مزدهرة، واستقطبت الملك البابلي نابونيد في القرن السادس قبل الميلاد. وتُظهر نقوشها وأطلالها مكانتها السياسية والدينية في الشرق الأدنى القديم. وفي العلا، نشأت مملكة لحيان في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت من أقوى الممالك العربية الشمالية، بعاصمتها دادان، ومعمارها الراقي ونقوشها القانونية الفريدة. أما مدائن صالح، فهي قصة حضارية متكاملة؛ تعاقبت عليها حضارات ثمود ولحيان والأنباط، وتركت خلفها مقابر نبطية فاخرة وقصورًا منحوتة في الجبال، مما جعلها أول موقع سعودي يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. وفي ثاج، عُثر على كنز أميرة ذهبي يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، يحوي قناعًا ذهبيًا وتاجًا فخمًا وقطعًا نادرة، ما يدل على وجود طبقة حاكمة متقدمة ومستوطنة ضخمة ذات تحصينات واضحة. وفي قلب نجد، تأسست قرية الفاو، التي كانت عاصمة مملكة كندة الأولى من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن الرابع الميلادي، وتُعد من أعظم المدن الأثرية من حيث التنظيم العمراني والنقوش والأنظمة الإدارية. وفي الجنوب، تقف مدينة الأخدود شاهدًا على صمود “أصحاب الأخدود” في وجه الطغيان، وهي إحدى مدن مملكة حمير، وتحتوي آثارها على نقوش ونيران محروقة، تُخلّد المأساة التي سجّلها القرآن الكريم. لقد كانت هذه لمحات من بعض الحضارات والممالك التي ازدهرت على أرض المملكة العربية السعودية عبر آلاف السنين. من الشويحطية إلى الأخدود، تتحدث الآثار عن تاريخ عميق يسبق كثيرًا ما كنا نظنه البداية. لم تكن هذه الأرض مجرد ساحة عبور، بل أصل حضارة، قبل الأهرامات وغيرها، هنا كانت الحضارة.