منذ العام 2017، والعلاقات السعودية الروسية تنمو بوتيرة متصاعدة، مدعومة بالمصالح المشتركة، والموثوقية العالية بين زعماء البلدين، والتنسيق المشترك في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والإستثمارية. قد يكون التوافق السعودي الروسي ضمن تحالف «أوبك+»، أحد أهم مجالات التعاون البارزة، التي أسهمت في مواجهة التحديات العالمية في قطاع الطاقة، وفتحت أفاق الشراكة الاقتصادية والإستثمارية والتجارية المستدامة، غير أن العلاقات الثنائية تطورت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وكان للسياسة السعودية دور مهم في تعزيزها، وتقوية أركانها على أسس من المصالح المشتركة. وبالرغم من المتغيرات الجيوسياسية، والأزمات الدولية، مضت المملكة في توثيق شراكتها الإستراتيجية مع موسكو، دون الإخلال بإلتزاماتها، ومواقفها الثابتة تجاه القضايا الدولية، وعلاقاتها الإستراتيجية بالمجتمع الدولي. تحقيق التوازن الأمثل في العلاقات الدولية بات سمة السياسة السعودية المنفتحة على جميع الدول، وبما يخدم مصالح المملكة، ويحقق أمن واستقرار المنطقة وازدهارها. وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، زار موسكو خلال الأيام القليلة الماضية، وشدد على أهمية تعزيز الشراكة بين السعودية وروسيا في مجالات الاقتصاد والثقافة. زيارة مهمة لتنمية العلاقات الثنائية، وتعزيز التعاون المشترك، والتنسيق لمواجهة التحديات الاقتصادية والمتغيرات الجيوسياسية العالمية. دبلوماسية الأمير فيصل بن فرحان، وثقافته الواسعة، جعلته حاضرا في الشأن الاقتصادي والمالي والثقافي، إلى جانب مهامه الرئيسة، ومجيبا على أسئلة الصحفيين التي لا تترك مجالا إلا طرقته. كان لافتا إشارة سمو الوزير إلى المؤشرات الإيجابية على صعيد العلاقات الشعبية، ومنها ارتفاع عدد السياح، وربطها بأهمية إنجاز اتفاقية الإعفاء من التأشيرات، ما سيكون دافعا لمزيد من التبادل بين البلدين. وهذه حقيقة مهمة، فالقطاع السياحي الروسي كان مستفيدا من نمو عدد السياح السعوديين الذين وجدوا في موسكو، والمدن الروسية الأخرى، بديلا لبعض المدن الأوربية التي تعاني من تحديات سياحية مؤثرة. وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من أن عدد السياح السعوديين إلى روسيا زاد بمقدار 6 أضعاف خلال العام الماضي، كما زار المملكة 36 ألف روسي خلال الفترة ذاتها، ما يؤكد تحسن العلاقات الشعبية؛ فالعلاقات الشعبية مفتاح العلاقات المستدامة، المفضية إلى التبادلات التجارية والاستثمارية، والتوسع في العلاقات الاقتصادية. الوزير لافروف، وبلفتة عابرة شغلت وسائل التواصل الاجتماعي، هنّأ الأمير فيصل بن فرحان، بمناسبة فوز نادي الهلال السعودي على مانشستر سيتي الإنجليزي، في بطولة كأس العالم للأندية، وأشاد باللقاء، و»النصر الذي كان مستحقا»، وهي لفتة ذكية جمعت بين الدبلوماسية الشعبية الناعمة، والدبلوماسية الرسمية، وكأنما أراد إستثمار اللقاء الرسمي لإيصال رسالته الودية للشعب السعودي، العاشق لكرة القدم، وقد فعل. الخروج عن البروتكولات الرسمية في حضرة الإعلام، ليس من صفات الوزير لافروف، ولا الساسة الروس. فالحدة الجادة شكلت صورتهم الذهنية لدى العامة، ما تطلب كسرها من خلال الدبلوماسية الشعبية ومخاطبة الشعوب. القطاع السياحي السعودي والروسي أكثر القطاعات المستفيدة من إتفاقية الإعفاء من التأشيرات، وربما تحولا إلى قاعدة جذب إستثماري مستقبلا. فالتواصل الشعبي يسهم في إزالة الحواجز الوهمية، وتغيير الصورة الذهنية الشعبية عن البلدين، التي ساهم الإعلام في تشويهها. البدء في تسيير رحلات مباشرة بين الرياض وموسكو، مع وجود خيارات الطيران البديل، ستسهم في دعم التواصل الشعبي، وتعزيز القطاع السياحي الذي يمكن من خلاله تحفيز قطاعات الاقتصاد الأخرى والمساهمة في تدفق الإستثمارات البينية. الأكيد أن للجنة السعودية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية، وتطوير التعاون في القطاعات الإستراتيجية، ومنها الصناعة، التعدين، الآلات والمعدات، الصناعات الغذائية، الأدوية، والأجهزة الطبية، وهذا ما يراهن عليه البلدان الصديقان. زيارة وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف، إلى روسيا، بعد يومين من زيارة سمو وزير الخارجية، تؤكد اهتمام المملكة بتعزيز علاقاتها الإقتصادية مع روسيا الاتحادية والوصول بها إلى آفاق أرحب من الشراكة الإستراتيجية المثمرة. ستشارك المملكة في معرض الصناعة الدولي »2025 INNOPROM»، الذي يقام في مدينة «يكاترينبورغ» الروسية، وسيعرض الجناح السعودي الفرص الاستثمارية الواعدة أمام المستثمرين الروس، في الوقت الذي ستبرز فيه الشركات الصناعية السعودية الرائدة أحدث منتجاتها وتقنياتها الصناعية. توسيع التعاون الثنائي في القطاعات ذات الأولوية، بالإضافة إلى تعزيز سبل التعاون الصناعي والتعديني، وتشجيع التبادل التجاري بين البلدين، من أهداف الزيارة، التي تؤكد سعي المملكة الدائم لتعزيز الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية، وتوسيع آفاق التعاون الثنائي في قطاعات مختلفة، و بما يدعم النمو الاقتصادي المستدام لكلا البلدين، ويبني قاعدة من الشراكة الاقتصادية الداعمة للعلاقات الدبلوماسية، والمعززة للتنمية، وبما ينعكس على أمن واستقرار المنطقة وازدهارها.