يشهد القطاع الصحي تحولاً كبيراً كأحد أبرز مستهدفات رؤية المملكة 2030، حيث أطلقت وزارة الصحة في عام 2018 نموذجاً حديثاً للرعاية الصحية السعودي لتقديم الرعاية الصحية المتكاملة للفرد والمجتمع، من خلال ثلاثة محاور رئيسة: (الصحة النفسية، والصحة الاجتماعية، والصحة البدنية)، ومن خلال ستة أنظمة (برامج) تشمل نظام الرعاية الوقائية والرعاية العاجلة ورعاية المصابين بالأمراض المزمنة والرعاية التلطيفية والرعاية المتخصصة للأم والطفل والرعاية التجميلية والاختيارية. يسعى النموذج لتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة لضمان الشفافية والفعالية والاستدامة، ويهدف لتحقيق رضا المستفيد من خلال تسهيل الوصول إلى خدمة صحية بجودة عالية تلبي احتياجاته المتنوعة، وتعزيز كفاية القوى العاملة الصحية، وتحسين كفاءة الإنفاق الصحي لضمان استخدام الموارد بشكل أمثل. ولضمان التنفيذ الفعّال لنموذج الرعاية الصحية السعودي، صدر قرار تاريخي لمجلس الوزراء رقم (469) في عام 2022 م بالترخيص لتأسيس شركة الصحة القابضة، لتكون الجهة المسؤولة عن تقديم خدمات الرعاية الصحية بشكل مرحلي ومنظم وفق النموذج الحديث وتأسيس شركات مستقلة باسم شركات التجمعات الصحية لتنقل إليها أعمال الشركة القابضة لتحل محلها تدريجيًا بتقديم الرعاية الصحية، ويناط بها إدارة وتشغيل الأصول في مختلف مناطق المملكة، وحدد القرار التاريخي دور وزارة الصحة في الجانب الإشرافي والتنظيمي، إضافةً إلى أدوار إشرافية وتنظيمية ورقابية مساندة لجهات حكومية؛ مثل المجلس الصحي السعودي، وهيئة الصحة العامة (وقاية)، والهيئة العامة للغذاء والدواء، والهيئة السعودية للتخصصات الصحية، والمركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية (سباهي)، والمركز السعودي لسلامة المرضى. وأعاد القرار التاريخي تنظيم مركز التأمين الصحي الوطني ليكون الجهة المسؤولة عن تقديم تغطية تأمينية صحية حكومية للمواطنين، ويتكفل بشراء خدمات الرعاية الصحية من الجهات الصحية المعتمدة على رأسها شركات الصحة القابضة والقطاع الصحي الخاص، بناء على حزمة منافع صحية شاملة، وبتمويل من الميزانية العامة لضمان استمرار مجانية الرعاية الصحية الأساسية للمواطنين، وشمل القرار نقل المخصصات المالية المرصودة في ميزانية وزارة الصحة لخدمات الرعاية الصحية إلى هذا المركز، حيث يتوقع أن تكفل هذه الآلية تقديم خدمات صحية بجودة وكفاءة عالية لجميع المستفيدين، وتدعم استجابة النظام الصحي للاحتياجات الصحية للفرد والمجتمع، وتساهم بالسيطرة على تكلفة الرعاية الصحية، وتعزز التنافسية والشفافية وكفاءة الإنفاق. وفي هذا السياق، صدر الأمر الملكي الكريم في عام 2021م بتحويل المؤسسة العامة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث إلى مؤسسة مستقلة ذات طبيعة خاصة غير هادفة للربح، ومملوكة للحكومة وربطها بالهيئة الملكية لمدينة الرياض دعماً لخصخصة القطاع الصحي وإعادة هيكلته، وتمهيداً لتحويله لمؤسسة صحية وبحثية عالمية لدعم تقديم الرعاية الصحية الحديثة الشاملة. كما شهد القطاع الصحي إنشاء أول صندوق وقفي صحي لاستيعاب مساهمات المجتمع أفراداً ومؤسسات وهيئات وجهات مانحة في تمويل خدمات الرعاية الصحية للفئات الأشد حاجة والمحتاجين غير المشمولين بتغطية تأمينية في جميع مناطق المملكة. كما يعد التحول الرقمي ركناً أساسياً في تطبيق نموذج الرعاية الصحية السعودي ويحقق أهدافه بتكامل أكثر وتكلفة أقل واستدامة أطول، كما يسهم دمج الحلول الرقمية في رحلة المريض في إثراء تجربة المستفيد وزيادة رضاه وتسهيل وصوله للخدمة بجودة عالية وبوقت وتكلفة مالية أقل، مع الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمالية في القطاع الصحي. وفي هذا السياق برزت عدة مبادرات وحلول رقمية داعمة لهذا التحول الصحي. من أبرزها إنشاء مستشفى صحة الافتراضي وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، حيث يوفر المستشفى خدمات تخصصية تشمل الاستشارات الافتراضية للرعاية الحادة (الحرجة) والعيادات التخصصية الافتراضية وخدمات الرعاية المنزلية ولجان متخصصة استشارية افتراضية لدعم القرار الطبي والصحي وخدمات افتراضية طبية مساندة ويدعم المنشآت الصحية بالمملكة، حيث يعمل في المستشفى أكثر من 150 طبيباً وطبيبة مقيماً يقدمون خدمات طبية استشارية بقدرة استيعابية تتجاوز 480 ألف مريض سنوياً، ويوظف المستشفى أحدث التقنيات المبتكرة في الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز وإنترنت الأشياء لتسهيل الوصول للخدمة الصحية وتعزيز كفاءة الإنفاق والاستخدام الأمثل للموارد البشرية. كما تعد منصة صحتي إحدى أبرز المبادرات والتي حصلت على تكريم وإشادة دولية عدة مرات، حيث تتيح للمستفيد من الوصول السهل إلى عدد من الخدمات الصحية الرقمية والمعلومات الصحية دون الحاجة لزيارة المرافق الصحية، مثل الاستشارات الفورية وحجز وإدارة المواعيد وزيارة الطبيب عن بعد واستعراض الإجازات المرضية والتقارير الطبية وخدمة أسعفني وإدارة الخدمات الصحية للتابعين بالإضافة إلى محتوى صحي تثقيفي يعزز الصحة البدنية والنفسية للمستفيد. كما تدعم منصة وصفتي هدف تسهيل الوصول للخدمة الصحية وتحقيق رضا المستفيد، إذ تتيح للمرضى صرف أدويتهم إلكترونياً من الصيدليات المعتمدة دون الحاجة لزيارة الطبيب مرة أخرى أو حمل وصفات ورقية، مما يضمن استمرار حصول المرضى على أدويتهم بسهولة وأمان، ويقلل من أخطاء صرف الأدوية ويحسن تجربة المستفيد. وفي جانب تمويل وشراء الخدمات الصحية تبرز منصة نفيس لتكون بوابة رقمية متكاملة، تُسهم في تسهيل وتنظيم تبادل المعلومات الصحية والمالية بين الجهات المعنية في القطاع الصحي (مقدم الخدمة، شركات التأمين، شركات الوساطة). وتتميز المنصة بكفاءتها العالية وشفافيتها المُطلقة، مع ضمان أمن عال لخصوصية البيانات. وتقدم المنصة خدمات عدة مثل إدارة المطالبات المالية والموافقات وأهلية العلاج وملخصات التقارير الطبية وغيرها. كما يضم سوق تقنية المعلومات الصحية والأجهزة الطبية عدداً كبيراً من الشركات المحلية والعالمية التي تقدم حلولاً تقنية مبتكرة مثل أنظمة الأرشفة الإلكترونية الطبية وأنظمة دعم القرار الطبي وحلول التطبيب عن بعد، وأنظمة معالجة الصور الطبية وحفظها وأرشفتها وأنظمة الترميز الطبي وإدارة الموارد والفوترة الطبية، وتطبيقات الأجهزة الذكية الصحية وتقنيات الواقع المعزز للأغراض الصحية والعلاجية والاستشفائية. في الختام؛ تعد هذه القرارات خطة محورية في إعادة هيكلية القطاع الصحي، وتحديد الأدوار بوضوح بين المنظم والمراقب ومقدم الخدمة، بما يسهم في بناء قطاع صحي أكثر كفاءة ومرونة، قادر على تلبية احتياجات المستهدفين بيسر وسرعة، يقدم الرعاية بجودة واستدامة، ويخلق بيئة محفزة للابتكار والإبداع، بما يدعم تحقيق مستهدفات مجتمع حيوي في وطن طموح ليواصل بناء اقتصاد مزدهر.