×
محافظة المنطقة الشرقية

دور الدبلوماسية الثقافية في العلاقات الدولية

صورة الخبر

الدبلوماسية الثقافية هي تنفيذ السياسة الخارجية للدولة في المجالات الثقافية والعلمية والتقنية. وبتعبيرٍ آخر، تشير الدبلوماسية الثقافية، التي تُعد سمة من سمات القرن الواحد والعشرين، إلى عملية تبادل الأفكار والمعارف بين البشر المنتمين إلى ثقافات مختلفة، حيث تتخذ العلاقات الثقافية أشكالاً متنوعة للتعاون، يسعى من خلالها الأفراد والجهات الفاعلة الدولية إلى التعبير عن خصوصياتهم الثقافية، وأهم ما يميز هويتهم أو تاريخهم، وفي المقابل تلقي واستيعاب الثقافات وتبادل الرموز والصور المميزة للمجتمعات الأخرى. وحينما يتأمل المرء في الأحداث التي تمرُّ بها البشرية اليوم، يجد أن الثقافة قضية حيوية، فمنظومة القيم الثقافية تتحكَّم في سياسات واختيارات الدول والتكتلات الإقليمية والدولية، ولا نجانب الصواب إذا قلنا إن الأبعاد الثقافية قد تتجاوز الحقل السياسي إلى بقية الحقول، لتكون خلفية وركيزة لاتخاذ مجموعة من القرارات في إطار العلاقات بين الدول. وكما يبدو، فإن سرعة ووتيرة التحوُّلات التي تجري في العالم وعلى مختلف الأصعدة، جعلت البشرية جمعاء تعيش مرحلة انتقالية ومنعطفاً تاريخياً، إذ غدت الثقافة حاضرة في كل الرهانات والصراعات السياسية والأيديولوجية، وتصدَّرت الهويات الطائفية والقومية والاثنية المشهد، مما أدى إلى تزايد الأفعال الإرهابية ذات المصدر الديني، وتصاعد حدة الحروب العرقية التي ظننا أنها أصبحت من الماضي. إن التأمل الجاد في هذا الوضع يدعونا إلى القول إن الثقافة تقف خلف نشر التعصب والعنف وتأجيج العديد من الظواهر الصراعية، لتتحوَّل إلى أداة لفرض أنماط محدَّدة من الأفكار والسلوكيات، في محاولة من الأطراف القوية والمختلفة لتنميط البنى الثقافية وفقاً لأولوياتها، ولما يجب أن تكون عليه الثقافة، انطلاقاً من نظرتها، وتبعاً لأهدافها ومصالحها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يمكن للثقافة، كونها قوة فاعلة مساهمة في تشكيل وعي الإنسان وتوجيه رؤاه وتحديد آفاقه، أن تفسح المجال للحوار بين الثقافات وتقبُّل الآخر، خصوصاً إذا علمنا أننا نعيش في عصر أصبحت وسائل الاتصال والتواصل كثيرة ومتعددة وسريعة الانتشار، مما أنتج لنا نوعاً من التداخل الثقافي أو الغزو الثقافي، أدى إلى خلق تجاذب وتنافر وحركة تناقضات لا تتوقف بين الأمم والشعوب، بل حتى داخل المجتمع الواحد. وبالتالي، فإن التعايش والتعاون بين الثقافات أصبحا غايتين ضروريتين لبناء عالم أقل عُنفاً وأكثر عدلاً وإنسانية، من خلال تبني قِيم التسامح، وتحويل نقاط الخلاف إلى مساحة للحوار، بدلاً من تأجيج نقاط الصراع، وفي خضم وضع يعيش فيه العالم فترة انتقالية تطبعها تحديات ومآزق حقيقية تتطلَّب من الجميع التفكير العميق، وإعادة اكتشاف العوامل الإيجابية ذات الجوهر الثقافي في العلاقات الدولية. في مقدورنا القول إن الاهتمام بالعلاقات الثقافية غدا رهاناً كبيراً بالنسبة لجميع المجتمعات، لارتباطها بقضايا معاصرة، كالديموقراطية، وحقوق الإنسان، والتنمية، والتعايش والحوار بين الثقافات، نتيجة لما شهدته العلاقات الدولية والنظام الدولي من تغيُّرات بنيوية عميقة، وبروز ظاهرة العولمة، هذه الظاهرة المتعددة الأبعاد، والتي شكَّلت جزءاً من تحوُّل ثقافي شامل، حيث استبدلت الحدود السياسية والجغرافية والأيديولوجية، لتحتل العوامل الثقافية حيزاً كبيراً في أدبيات دراسة العلاقات الدولية وتعدد وجهات النظر بشأن تأثير العامل الثقافي، ودوره في تفسير وصياغة السياسة الدولية. * أكاديمية وباحثة سياسية