في عصر الإعلام الحديث، برز العديد من الأفراد الذين يطلقون على أنفسهم صفة «إعلاميين»، لا لشيء سوى لشهرتهم أو حضورهم المجتمعي اللافت، ظنًّا منهم أن مجرد الظهور يمنحهم شرعية الحديث باسم الإعلام الحقيقي، غير أن هذا الفهم القاصر يسيء إلى جوهر المهنة، ويشوّه صورتها النبيلة، فالإعلام لا يُختزل في الأضواء أو عدد المتابعين، بل هو رسالة ومسؤولية. إن مهنة الإعلام ليست صناعة وهم أو تسويق ذات، بل هي التزام راسخ بإظهار الحقيقة، لا تزييفها، وتوجيه الرأي العام بوعي، لا تضليله. الإعلامي الحقّ هو من يعي أن كلمته أمانة، وأن مسؤوليته تبدأ أمام الله قبل أن تكون أمام الجمهور. الإعلام ليس مجرد شهادة تُعلّق على الجدار، بل هو ميثاق شرف وأخلاق، يتجسّد في سلوك ومواقف كل من يحمل هذه الرسالة السامية. فأن تكون إعلاميًا بحق، يعني أنك تحمل شرفًا عظيمًا، لا يُقاس بالشهرة، بل بالصدق، والمصداقية، والنزاهة. ومن هنا، تأتي أهمية تشريعات المجتمع التي تنظم العمل الإعلامي وتضع له أطرًا قانونية وأخلاقية واضحة، تحفظ للمهنة هيبتها، وتحمي الجمهور من فوضى الخطاب غير المهني، فالقوانين والتشريعات الإعلامية ليست تقييدًا للحرية، بل ضمانة لاستخدامها بمسؤولية، وردع لمن يستغل منابر الإعلام في التضليل أو التشهير أو نشر الكراهية. كما أن هذه التشريعات تُسهم في ترسيخ ثقة المجتمع بالإعلاميين الحقيقيين، ممن يلتزمون بحدود المهنة وقيمها، ويعملون وفق ضوابط تضمن التوازن بين حرية التعبير واحترام خصوصية الأفراد وكرامة الإنسان. وفي ظل الطفرة الرقمية وتعدد المنصات، بات من السهل على البعض الادعاء بلقب «إعلامي» لمجرد امتلاكه بودكاست أو ظهوره المتكرر عبر وسائل التواصل، متناولًا قضايا ذات طابع شخصي أو آراء فردية يظن أنها تمثل المجتمع، أو تحاكي اهتماماته. إلا أن هذا التصور السطحي يغفل جوهر الإعلام الحقيقي ودوره الجوهري في تشكيل الوعي العام. فالإعلام لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو استعراض وجهات النظر؛ بل هو قوة فاعلة، إما أن تنهض بالمجتمع أو تسهم في تراجعه، بحسب نوعية الرسالة والمصداقية في الطرح، ومن هنا تبرز خطورة الخلط بين الإعلامي المحترف وصانع المحتوى العابر، فالأول يتميز بالمسؤولية، وثبات الكلمة، ودقة المعلومة، ومعرفة دقيقة بجمهوره، بينما يعتمد الآخر غالبًا على الإثارة والانتشار، دون اعتبار للأثر المجتمعي طويل المدى. إن الإعلامي الحقيقي لا يطرح ما يخطر في ذهنه عشوائيًا، بل يختار محتواه وفق دراية ووعي بالبيئة التي يخاطبها، ويحرص على تمثيل اختلافات الرأي دون تضليل أو تهويل، ومن هذا المنطلق، يجب التأكيد على أن النجومية وحدها لا تكفي لتكون صك إعلامية؛ فليس كل من يتحدث عبر منصة يُعد مذيعًا، ولا كل من يكتب مقالًا يُعد صحفيًا، كما أن الظهور الواسع لا يعني بالضرورة امتلاك أدوات العمل الإعلامي.