هل البريكس فعلا سفينة الخلاص من الهيمنة الأمريكية؟ أم مجرد توازن دولي جديد؟ وهل نرتاب من المواجهة؟ أم نرتاح لوجود كيان يمكنه أن يقول لأمريكا لا؟ طرح الاسئلة الكبيرة، يساعدنا في محاولة فهم الواقع الذي نعيشه اليوم، وندرك بذلك ما يحدث حولنا! وسنبدأ بمقدمة سريعة وذات علاقة، ظهرت الصهيونية العالمية كحركة رسمية اوخر القرن التاسع عشر في (بازل ١٨٩٧) لتعمل على بناء القوى التي تمكنها من التأثير على الحكومات، لتنقل أوربا إلى مسار جديد من الفكر السياسي، الذي سيخلق العالم الجديد حينها، كان ذلك في مرحلة التحضير للحرب العالمية الأولى. وسارت الصهيونية نحو أهدافها للوصول للتأثير على بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإمريكا. لتوجيه القرارات فيها، وامتلاك النفوذ والسيطرة عبر حكومات تلك الدول على العالم. أحبت الصهيونة العالمية أن تبقى في الظل، ونفت كل مايقال حولها. ونثرت أتباعها في البرلمانات والمجالس الحكومية ، وفي الاعلام والمال كقواعد للقوة، حتى اللحظة التي أرادت أن تكون لها حكومه بمواصفات خاصة فكانت “اسرائيل” وليدة الصهيونية العالمية، أرادوها خالصة لليهود، وتمثل وجودها وحضورها السياسي، وتكشف عن لثامها قليلا. وقادة الصهيونية العالمية مازالوا بالخفاء، رغم أنهم قطعوا شوط كبير في ذلك، ووصلوا الى التأثير على القرار السياسي في دول نافذة عالميا، ووصلو عن طريق تلك الدول الى جعل أمريكا الأولى عالميا في فترة ليست طويلة، وجعلوا أمريكا القوة الأعلى صوتا. ووصلوا الى “العلو الكبير” حتى قال بوش “من ليس معي فهو ضدي، في تحركه نحو وسط اسيا والشرق الأوسط” وهو خطاب تهديد صريح، لم يجرؤ اعداء امريكا الفعليين أن يتحدوا امريكا فيه او يجربوا غضبها. لكن التجبر الذي وصلت إليه الصهيونية العالمية بات يواجه تحديات متعددة، بأمر الله، والعالم ظهر أكبر كثيرا من أن تسيطر عليه أمريكا وحدها، وكانت أمريكا تحرص على تشكيل حلفاء عسكريين وحلفاء اقتصاديين وحلفاء أمنيين حولها، لتحقيق نفوذها وضمان سريان مصالحها. الحديث عن الصهيونية هو مقدمة لفهم قرارات امريكا او الغرب خاصة عندما نرى كيف تعامل حكوماتهم مع احداث غزة وكيف يقف دعاة حقوق الانسان ومنظماتهم الكثيرة مكتوفة الأيدي أمام مايحدث للمدنيبن الفلسطينين! لاشك مفارقة عجيبة ولكن الغرب اليوم يقف أمام مبادئة حائراٌ. لحظة يواجه الغرب معتقداته وترفض حكومانه أن تسير على دستوره والشعوب الغربية تعاني صدمة وتبحث عن مخرج وهي تتابع الاخبار رغم أن التحفظ شديد على مايبث عن غزة في محاولة لتغييب الشعوب الغربية. من هنا نفهم الصهيونية وكيف تقود الشعوب الغربية أولا. وأمريكا هي القوة الضاربة بيد أربابها. مانراه اليوم أن اعداء امريكا وعلى رأسهم روسيا والصين بدأوا يقرأون التغيير العالمي، ويدركون بما يمتلكون من معلومات دقيقة الحالة التي وصل إليه الاتحاد الأوربي، والتي وصلت إليها أمريكا، وما تعانية امريكا بالداخل. وروسيا والصين حريصتين على تشكيل جبهة دولية جديدة، لمواجهة أمريكا والغرب، بعد أن وصلوا الى هذا التراجع، ولكن الأهم كيف ستواجه بريكس الصهيونية العالمية؟ ترغب دول بريكس اليوم في إحداث توازن في قيادة العالم على الأقل، ورسم صورته الجديدة، ولكن قد ينتهي هذا التحرك الى مواجهة عالمية. والقلق الذي يشعر به المحللون كيف يمكنهم تصور الأحداث، إذما سقطت امريكا او تراجع دورها، او وجدت نفسها في حرب داخلية، والبريكس تكتل يمتلك العديد من أدوات القوة، وهو في يتزايد كل يوم، ويمكنه أن يواجه أمريكا والغرب، خاصة إذا ما انظمت له دول أخرى مؤثرة، وذات قرار نافذ وتأثير كبير. وتسعى روسيا والصين جاهدتين لجذب الدول التي تريد الخلاص من الهيمنة الصهيونية، حتى في داخل امريكا والغرب. رغم أن وجود الهند في داخل البريكس يطرح الكثير من علامات الاستفهام عن حقيقة التأثير الغربي الصهيوني داخل المنظومة الجديدة! ومع ذلك فالمتابع سيرى أن جبهة الشرق تتقدم ببطء لكن بمكتسبات جديدة كل يوم. وهذا محل تأمل وقراءة. لأن اللحظة التاريخية قادمة، ونذر المواجهة تقترب، وكل دولة اليوم أمام هذا المشهد المتقلب معنية بتحديد خياراتها، وأهمها تجنب الخسائر قبل تحقيق المكتسبات. عندما سقط الاتحاد السوفياتي اواخر الثمانينات كانت هناك دول متعلقة به وتراهن عليه فسقط وسقطت معه بل انقسمت اراضيها ونهبت مقدراتها وضاع صوتها. يقول ابن خلدون بالقرن الرابع عشر أن الدول تنشأ فتية وتعظم ثم تشيخ وتهرم. وهي مقولة تظهر في الدول العظمى على مر التاريخ واضحة رغم قوتها وترامي اطرافها. وقال أن الظلم هو أول ناقوس خطر. واليوم يجب على أمريكا اليوم أن تنتبه له إن أرادت أن تتجاوز التحديات التي بدأت تقترب من حدودها السياسية، كعاصفة لاتخضع للمقاييس، ولايمكن معرفة قوتها أو اتجاهها، ومايراه المتابع العادي داخل امريكا من تنافس سياسي داخلي يتحول تدريجا نحو المواجهة، وقد بدأت لغة السلاح تسمع في بعض جوانبه، مما يعني الكثير من التفكك والتناحر والسقوط، واذا لم يك هناك طريق جديد فسقوط أمريكا هو ربما مجرد وقت ورقم. بالنظر الى سنن الكون، وبالنظر الى قراءة الواقع والمعطيات التحليلية. والمشكلة التي يعيها الجميع أن سقوطها سيحدث فوضى متعددة ومتلاحقة، والله وحده يعلم حدود تأثيرها. والدول الكبيرة والمهتمة بلاشك لديها اجهزة معنية بقراءة التحولات وانعكاساتها، ودوائر تدرك هذه المخاطر وتأثيرها على المدى القصير او الطويل، وتعلم مايحدث حتى خلف الكواليس السياسية،، وتقدم بجهدها لتحديد المسار المناسب في هذا الوقت المتسارع، وانما الحديث هنا سيكون دائما للمحللين ومراكز الدراسات، والاعلاميين، وهي مساهمة بسيطة في تحليل الموقف. لما نشاهده كثيرا على الفضائيات من تغييب بعض الذين تصدروا بالاعلام للتحليل والتعليق، لأن مايقدمونه يساهم في تشكيل الوعي العام الضروري في هذه المرحلة التي تتلاطم فيها المصالح والدعوات والافكار والتكتلات السياسية، ونبني بتلك الرؤى والقراؤات الفكر الجمعي اللازم، لخلق مجتمعات واعية مدركة تحمي بلدانها وحكومانها وتعزز قوتها وتماسك الشعوب وراء قيادتها. وهذا الوعي سيساعد في نشر المعرفة الكافية حتى لاتقع الشعوب ضحية المرجفين او ضحية اصحاب الأهواء، او الطوابير الخامسة او الخلايا النائمة. إن مثل هذه التحولات الدولية على مدى التاريخ سنّة كونية، وتسبقها الكثير من المتغيرات في الفكر والمزاج ومواضع القوة. والقوى العالمية تتبدل بطبيعة الحال، ولاغرابة أن تنهض دولة عظمى على أنقاض دول أخرى. والفيصل هنا هو من يستطيع أن يقرأ ويتنبأ بالنتائج. وهذا هو الشغل الشاغل لمراكز الدراسات، وأجهزة الاستخبارات، ودوائر اتخاذ القرار وهي قراءات دورية تساعد في تحديد الاهداف الجديدة، ورسم الخطط الملائمة، واختيار الانسب من القرارات الصائبة. ينادي القائمون على تجمع البريكس دول العالم، وكأنهم يرون هذا التكتل الجديد سفينة الخلاص التي ستنقذ من يصعد على متنها، ولكن القرارات بطبيعتها لاتتخذ بالضنون او بالدعوات، وانما بتحليل الواقع، والتنبؤ بالمستقبل، وفق المعطيات، والمعلومات المؤكدة. هذا هو الواقع. قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة 251) ا