×
محافظة الرياض

تحالف الطموح بين السعودية والصين

صورة الخبر

دعوا الصين نائمة، فإنها إذا استيقظت هزّت العالم” – هذه المقولة الشهيرة المنسوبة لنابليون بونابرت لم تكن مجرد تحذير من قوة كامنة، بل كانت نبوءة سياسية مبكرة عن قارة حضارية صامتة ستنهض لتعيد تشكيل موازين العالم. واليوم، ومع حلول القرن الحادي والعشرين، استيقظ المارد الصيني فعلاً، لا بوصفه قوة صاعدة فحسب، بل باعتباره أحد أعمدة النظام الدولي الجديد، وهو يستعرض ثقله في الاقتصاد، والتكنولوجيا، والجيوبوليتيك، والثقافة. الصين، التي تحوّلت خلال أربعة عقود من دولة زراعية إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي، نجحت في تجاوز حدودها التاريخية، وفرضت حضورها عبر مبادرة “الحزام والطريق”، وشبكات التكنولوجيا، ومراكز الابتكار. هي اليوم ليست مجرد مصنع العالم، بل أحد أكثر مراكز الابتكار تقدمًا، في مجالات الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والطاقة المتجددة. في موازاة هذه النهضة، تقود المملكة العربية السعودية نهضة خاصة بها، تجسدت في رؤية 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. هذه الرؤية تمثل تحوّلًا جذريًا في بنية الاقتصاد السعودي، تقوم على تنويع مصادر الدخل، وتمكين القطاعات الواعدة، وبناء بنية تحتية معرفية وتقنية متقدمة، مع الحفاظ على الهوية الحضارية والدينية العميقة. وفي هذا السياق، لم يكن غريبًا أن تلتقي المملكة بالصين في نقطة تقاطع استراتيجي عميق، حيث تتشابه الرؤى، وتتقارب المصالح، وتتكامل الطموحات. لقد أصبح التعاون بين الرياض وبكين نموذجًا متقدمًا للشراكات الذكية بين الدول، بعيدًا عن التبعية، ومبنيًا على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة. شهدت العلاقات السعودية الصينية طفرة نوعية خلال السنوات الأخيرة، تُوّجت بزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر 2022، حيث تم توقيع أكثر من 35 اتفاقية ومذكرة تفاهم، شملت قطاعات استراتيجية مثل الطاقة، البتروكيماويات، الهيدروجين الأخضر، التقنية، الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية. وتُعد الصين اليوم الشريك التجاري الأول للمملكة، بحجم تبادل تجاري تجاوز 100 مليار دولار سنويًا. كما تشهد العلاقات توسعًا في المجال الثقافي والتعليمي، حيث أُدرجت اللغة الصينية ضمن المناهج السعودية، وتم افتتاح معاهد كونفوشيوس، بالإضافة إلى نمو برامج التبادل الطلابي والبحثي. ولا يغيب التعاون الفضائي والعسكري والتكنولوجي عن المشهد، مما يعكس بُعدًا استراتيجيًا أعمق من مجرد علاقات اقتصادية. إن استيقاظ الصين وصعود المملكة ليسا تحوّلين معزولين، بل جزء من ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب، تقوده قوى صاعدة من الشرق ترفض الهيمنة الأحادية، وتؤمن بالتعاون التنموي، والشراكات العادلة. وفي هذا النظام الجديد، تُثبت المملكة والصين أن التقاء الحضارات لا يعني التصادم، بل التكامل… وأن الأحلام حين تلتقي بالوعي، تصنع واقعًا يغيّر التاريخ