يُعرّف الوقف على التعليم بأنه أموال مادية أو أصول عقارية يتبرع بها الأفراد أو المؤسسات والشركات. وللوقف في التعليم أهمية كبيرة، إذ يُعتبر موردًا مستدامًا للمؤسسات التعليمية، ويسهم في تحقيق استمراريتها وتطورها. كما يعزز الوقف التعليمي التكافل الاجتماعي، ويدعم بناء المؤسسات التعليمية والمكتبات، وتوفير الأدوات اللازمة للمعامل والمختبرات البحثية. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر الوقف من الصدقات الجارية التي يستمر أجرها بعد وفاة المتبرع. وقد عده أحدهم أنه –في بعض الحالات– أفضل من الصلاة النافلة؛ لأن الوقف على التعليم يمثل عملاً متعديًا ينفع الناس جميعًا، بينما الصلاة النافلة عمل صالح نفعه قاصر على صاحبه. وثقافة التبرعات والهبات والوقف تشير إلى تقليد راسخ يتمثل في التبرع بالأموال أو الممتلكات لجهات خيرية أو عامة، سواء كانت هذه التبرعات هبات فورية أو أوقافًا بهدف تحقيق النفع للمجتمع واستدامته. وقد امتد هذا التقليد عبر العصور في الحضارة الإسلامية، وأسهم في إنشاء العديد من المؤسسات التعليمية والصحية والمرافق العامة. وهذه الثقافة منتشرة أيضًا في أوساط المجتمعات الغربية. ولا يزال في الذاكرة تبرع اثنتين من أميرات ويلز للكلية الجامعية في ويلز البريطانية بأرض تضم مباني وقصورًا ومزارع في منطقة “نيو تاون” خارج مدينة “أبريست”، حيث المقر الرئيسي للجامعة، التي أصبحت تستغلها في إقامة المؤتمرات والفعاليات التي يحضرها علماء من أنحاء العالم. شخصيًا، شرفت بحضور أكثر من مؤتمر علمي أقيم هناك أثناء دراستي للدكتوراه في جامعة ويلز. ومن التجارب العالمية، هناك الكثير من الجامعات التي تعتمد في ميزانيتها على عوائدها الوقفية، إضافة إلى أصولها الاستثمارية، وبيوت الخبرة، ومكاتبها الاستشارية، وحدائقها المعرفية، وأبحاث أعضاء هيئة التدريس التي تتحول إلى منتجات تجارية يتم تسويقها عن طريق شركات ناشئة، وكذلك من إعارة المميزين من أعضاء هيئة التدريس للقطاعين العام والخاص، في صورة تعكس الشراكة بينهم. وتُعتبر جامعة هارفارد الأمريكية، في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس، التي تأسست عام 1636م، أكبر جامعة من حيث حجم أوقافها التعليمية، حيث بلغ بنهاية عام 2024 نحو 53.2 مليار دولار. تليها جامعات مثل: تكساس بحجم أوقاف قدره 31 مليار دولار، وييل بـ 20 مليار دولار، وستانفورد بـ 27.7 مليار دولار، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بـ 17.6 مليار دولار، وجامعة بنسلفانيا بـ 14.6 مليار دولار، وغيرها من المؤسسات التعليمية. وفي المملكة، هناك تجارب ناجحة ورائدة في مجال الوقف على التعليم، من أبرزها مؤسسة الملك فيصل –رحمه الله– الخيرية، التي تتبنى جائزة الملك فيصل العالمية، ومركز البحوث والدراسات الإسلامية، وجامعة الفيصل، وجامعة عفت، وغيرها من الأنشطة، وهي مؤسسة خيرية رائدة تموّل أنشطتها ذاتيًا. ومن أشهر التجارب الوقفية الناجحة في مجال التعليم الحكومي في المملكة أيضًا، أوقاف جامعة الملك سعود، التي تشمل مجمعات صناعية، وفنادق، وملاعب رياضية، بالإضافة إلى الكراسي العلمية الممولة من القطاع الخاص أو الأفراد. دعاني للكتابة صدور قرار رائع من مجلس شؤون الجامعات حديثًا، يقضي بمنح الجامعات صلاحية تأسيس أوقاف وتعيين مجلس نظارة لها. لا شك أنها خطوة طال انتظارها، تتيح للجامعات السعودية الاستقلالية والشفافية، وعدم الاعتماد كليًا على ميزانية الدولة، وذلك بزيادة مواردها الذاتية.