انتهت الحرب الإسرائيلية - الإيرانية بعد (12) يوماً من اندلاعها بما يشبه المسرحية، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشن ضربات جوية مفاجئة على منشآت نووية إيرانية، وردت إيران على ذلك بإطلاق صواريخ على القاعدة الأمريكية في قطر، وأعلن الرئيس الأمريكي بعدها بأنه تم الاتفاق بين الدولة العبرية وإيران على وقف إطلاق النار باعتبار هذا الاتفاق يمثل في صيغته مخرجاً مناسباً لجميع أطراف الصراع. وقد وجد كل طرف من أطراف الصراع في اتفاق وقف إطلاق النار مجالاً لتمجيد قوته والخروج من أزمته، فالولايات المتحدة الأمريكية تمكنت من استعراض قوتها أمام خصومها، وبرهنت على تفوق هذه القوة، مستعيدةً مصداقيتها وقدرتها على الردع ومكانتها في المنطقة، والكيان الصهيوني وجد في الاتفاق فرصته لمراجعة حساباته والترويج لانتصاراته وتغطية اندحاراته، كما أن الاتفاق أنقذ إيران من الانهيار نتيجة للضربات الموجعة والاختراقات المتنوعة ورد لها بعض الاعتبار. ولكل طرف حساباته ومراجعاته حيث إن الحرب أثبتت أن الدولة العبرية غير قادرة على الحسم السريع رغم تفوقها الجوي وما تمتلكه من آلة حربية وقدرات عسكرية، كما أن أمريكا لا ترغب في حرب استنزاف طويلة، وإيران تخشى من تداعيات الحرب ومآلاتها في ظل ضعف قواتها الجوية وتهالك دفاعها الجوي واختراقها من الداخل ودخول أمريكا على خط المواجهة. ومن البديهيات المسلم بها بالنسبة للمهاجم أن الحرب خدعة والمفاجأة تعتبر إحدى مبادئ الحرب ذات القيمة النوعية التي يمكن تحقيقها بالاستخدام غير المتوقع للقوة العسكرية، وحرمان الخصم من اتخاذ التدابير المضادة في الوقت المناسب، والتنبؤ بما قد يقوم به من أعمال مفاجئة. واستخدام الأسلحة المتطورة والمعدات الحرجة والأساليب السيبرانية والوسائل الإلكترونية وأسلحة البعد الفضائي بأنواعها، كل ذلك يدعم هذه الحقيقة ولا يتعارض معها، خاصة إذا ما نجح القائد في تحييد الصدف واستعد لقبول المخاطرة. والبُعد الفضائي عندما يأخذ مكانه بين أبعاد القتال الأخرى لا يتعارض ذلك مع مستويات فنون القتال، ولا يلغي الحد الأدنى من المفاجأة وهو توقيت الهجوم، وإيران كسرت هذه القاعدة متخذةً من كثافة ما تطلقه من ترسانتها الصاروخية وطائراتها المسيرة بديلاً يقلل من حاجتها إلى مفاجأة الزمان والمكان. وعلى هذا الأساس فقد اعتادت إيران على إبلاغ الخصم الأمريكي وأخذ موافقته قبل إطلاق صواريخها ومسيراتها على القواعد الأمريكية، كما حصل في قاعدة العديد في قطر وقاعدة عين الأسد في العراق، الأمر الذي يؤكد جانباً من جوانب مسرحية استعراضية بالصوت والضوء لحفظ ماء الوجه، كما يوحي بوجود تخادم مبطن وتصادم معلن على حساب أمن المنطقة وأمن وسيادة الدول التي توجد فيها هذه القواعد، فبدلاً من أن تكون القاعدة عاملاً مساعداً للدفاع عن أرض دولة المقر وحمايتها أصبحت أداة للإيقاع بها وخيانتها. وقد تم وقف إطلاق النار للضرورة والحاجة دون أن تتحقق أهداف الحرب المتمثلة في القضاء على المشروع النووي الإيراني وتقويض منظومة الصواريخ البالستية، رغم ما يتمتع به الكيان الصهيوني من الحرية الجوية في الداخل الإيراني والضربات الاستباقية الناجحة التي شنتها القوات الجوية الإسرائيلية، مستهدفةً مواقع البرنامج النووي الإيراني ومنشآت تخصيب اليورانيوم، وما عقب ذلك من هجمات جوية متتالية وتحويل الداخل الإيراني إلى جبهة مفتوحة لقصف الأهداف ذات القيمة والقيمة العالية. هذه الحرب كشفت عن قدرات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية متفوقة، لكنها أظهرت في الوقت نفسه أن الدولة العبرية رهينة لعواملها الجغرافية والديمغرافية، ولاتزال تعتمد على تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء المهمة، كما يؤيد ذلك تدخل أمريكا المباشر في هذه الحرب إلى جانب الكيان الصهيوني وقيامها بقصف المواقع النووية الحصينة بقنابل ثقيلة مخصصة لاختراق التحصينات. وقوف أمريكا إلى جانب الدولة العبرية في صراعها مع إيران ينحصر فيما يخدم مصالحها ومشروعها في المنطقة بشكل تتمحور دوافعه حول برنامج إيران النووي ورعايتها للإرهاب في المنطقة، أما ما يتعلق بتغيير نظام الحكم في إيران فإن الإدارة الأمريكية لا توافق الكيان الصهيوني على هذا الهدف تجنباً للفوضى وإطالة أمد الصراع مع استفادة المشروع الأمريكي من وجود النظام الحاكم في إيران. ولمواجهة الموقف الأمريكي والموقف الصهيوني تتمرس إيران خلف ترسانتها الصاروخية وطائراتها المسيرة التي طالت عدة أهداف داخل الدولة العبرية وألحقت بها أضراراً غير متوقعة، كما تحاول الظهور بأنها عاقدة العزم على مواصلة برنامجها النووي مع التوجه نحو تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعلى ضوء ما حققته الدولة العبرية من تقييد واحتواء البرنامج النووي الإيراني، وما أحدثته إيران من إيجاد خللاً في قدرة الردع الصهيونية وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية كطرف ثالث فإن نتيجة الهدنة محصورة بين محادثات تجمع بين أمريكا وإيران وتفضي إلى اتفاق حول البرنامج النووي أو نشوب حرب يصعب الحكم على طبيعتها ومآلاتها.