يُعد برنامج الرياض الخضراء، الذي أُطلق عام 2019 ضمن رؤية السعودية 2030، مبادرة طموحة لزيادة المساحات الخضراء في الرياض من 1.5 % إلى 9 %، ورفع نصيب الفرد من 1.7 إلى 28 مترًا مربعًا، عبر زراعة 7.5 مليون شجرة وإنشاء 3331 حديقة حي. يهدف البرنامج إلى تحسين جودة الحياة وتعزيز الصحة العامة وتخفيض درجة الحرارة وتحسين جودة الهواء، وتقليل العوالق الملوثة في الجو في مدينة الرياض. وفي هذا الإطار أنجزت دراسة تطبيقية بالتعاون مع زميلي أ. د. طاهر لدرع في قسم التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود، نُشرت مؤخراً في واحدة من أرقى المجلات العلمية في تخصص العمارة والتخطيط والتطوير العقاري (Buildings)، عن تأثير حدائق الأحياء على أسعار العقارات السكنية المجاورة. تغطي هذه الدراسة فجوة بحثية معرفية في هذا المجال، ذلك أن الدراسات التي بحثت في تأثير الحدائق ركزت في معظمها على مدن ذات بيئات مناخية معتدلة، ولم تهتم بتأثيرها في البيئات الصحراوية الجافة مثل الرياض. اعتمدت الدراسة على بحث الصفقات العقارية المنجزة من 2009 إلى 2024 كما هي موثقة في منصة وزارة العدل ومقابلات مع أصحاب المكاتب العقارية في 133 حي موزعة على القطاعات الخمسة لمدينة الرياض. وقد أظهرت نتائج البحث تأثيرات مختلفة لحدائق الأحياء على أسعار العقارات المحيطة بحسب حجمها وموقعها من الحي. فالحدائق الصغيرة الحجم لا تأثير لها على الأسعار لعدة أسباب منها محدودية التشجير والمساحات الخضراء. أما الحدائق الكبيرة (هكتارين فأكثر) فلها تأثير إيجابي على أسعار العقارات إذا كان موقعها داخل النسيج العمراني للحي والوصول إليها عبر شوارع سكنية محلية وتتم صيانتها باستمرار. أما الحدائق الواقعة في أطراف الحي بمحاذاة الطرق الرئيسية، وهذا هو اللافت للنظر على عكس التجارب الدولية، فيبدو أن لها تأثيرًا عكسيًا على العقارات المطلة على الحديقة مباشرة وإن كانت كبيرة الحجم ومعتنى بها. ويكمن سبب ذلك في كثرة مرتاديها لسهولة الوصول إليها من مختلف مناطق المدينة وكثرة التلوث الضوضائي، وانتشار مخلفات النفايات والمنافسة مع سكان الجوار على مواقف السيارات وغيرها من المضايقات. كما يبرز البحث فروقًا بين أداء الحدائق بحسب موقعها في قطاعات المدينة الخمسة، حيث تتفوق حدائق أحياء الشمال في تأثيرها الإيجابي على أسعار المساكن؛ بسبب ما تتمتع به من عناية وصيانة دورية حيث تساهم بعلاوة سعرية تتراوح من 10-18 % على قيم العقارات السكنية المجاورة، تليها حدائق أحياء الشرق بزيادة تتأرجح ما بين 5-9 %. بينما تتراجع حدائق الوسط والجنوب بسبب ضعف الصيانة وانتشار القمامة وبعض السلوكيات المزعجة ليتراوح التأثير من محدود إلى سلبي. تقترح الدراسة الاهتمام بعنصر الصيانة وتجنب تخطيط الحدائق الصغيرة الحجم (أقل من 2 هكتار) وتجنب وقوعها بمحاذاة الطرق السريعة للتحكم في أعداد الزوار والمرتادين إليها، وبالتالي تقليص أهم مصدر لإزعاج سكان الجوار كانتشار النفايات بالمكان والمنافسة على المواقف. أما بخصوص الحدائق القائمة الواقعة على الطرق الشريانية، فيُقترح إقامة مناطق عازلة في شكل أشرطة تجارية ومكتبية أو أحزمة خضراء للفصل بين الحديقة والطريق للحد من سهولة الوصول إليها وتقليص أعداد المرتادين من خارج الأحياء المحيطة.