×
محافظة المنطقة الشرقية

قرية كاف الأثرية واعتزاز الكاتب بها - د. تنيضب الفايدي

صورة الخبر

من يتجوّل في أرجاء الوطن الغالي يجد أن لكلّ موقع من مناطقه تاريخا، وفي كلّ زاوية منه آثارا؛ لأنه أرض الحضارات وأرض الرسالات، فلا يوجد موقع أو مكان ليس له تاريخ، بل إن كلاً منها باختلاف أنواعها تحتاج إلى من يكتب تاريخها بكلمات الحبّ والمشاعر الفياضة حتى تدخل في قلوب الأبناء والبنات، ويتحول إلى الحبّ الحقيقي للوطن، ومن تلك المناطق منطقة الجوف التي تقع في الجزء الشمالي من المملكة العربية السعودية، ويحدّها من الشمال والشمال الشرقي منطقة الحدود الشمالية، ومن الشمال والشمال الغربي المملكة الأردنية الهاشمية، ومن الغرب والجنوب الغربي منطقة تبوك، ومن الجنوب منطقة حائل، وتتميز منطقة الجوف كغيرها من مناطق المملكة بتراث معماري فريد وموروث حضاري متميز، ويقف ما خلفه الزمن من ذلك الموروث على مدى عقود طويلة شواهد ثابتة ودلائل ملموسة على ماضي المنطقة العريق يحكي الدور الحضاري المهم الذي كانت تؤديه ولا تزال نظراً لما حباها الله من مقومات إستراتيجية وطبيعية أهلتها لذلك فظهر أثره واضحاً سواء على مستوى المنطقة أو على مستوى المملكة ككلّ، كما اشتهرت منطقة الجوف بالآثار وفي مقدمة تلك الآثار الحصون والقلاع، وأهمّ المحافظات التاريخية محافظة دومة الجندل التي ارتبطت بحصن مارد وسميت دومة الجندل لأن حصنها بني بالجندل أي: (الصخور). كما تتوغل منطقة الجوف في أعماق التاريخ ولا سيما دومة الجندل وقلعة مارد، والأعمدة الحجرية المثيرة (أعمدة الرجاجيل)، وحصن زعبل (قصر زعبل)، وجبل بِرِنس، لذا فإن منطقة الجوف مستودع لكثير من الآثار التي تدهش زوارها، ومنها قرية كاف، فكاف إحدى القرى الأثرية القديمة في منطقة الجوف، تقع في الشمال الشرقي من بلدة النبك (المويلح)، وتبعد عن القريات بنحو (18كم) إلى الشرق منها، تتألف من بيوت طينية متلاصقة، تنتشر فيها مزارع النخيل ويتوسطها مسجد قديم مبني من الحجارة، وكانت قرية كاف مدخل للجزيرة العربية من جهة الشام إلى وقت طويل، وتعد كاف قرية سياحية تتضمن أبرز المعالم التاريخية والأثرية مثل: قصر كاف وقلعة الصعيدي، وبطرفها الشمالي جبل الصعيدي، وفي أعلاه قلعة تعود للعصر النبطي، ولقد استخدمت فيما بعد كحامية لطريق الحجاج، وكانت المادة المصنوعة منها الحجارة البركانية، أما الطريق الموصل إليها فهو متعرج رُصفت جوانبه بالحجارة، ومن معالمها أيضاً قصر الشعلان والقرية الأثرية وغيرهما. قصر كاف يقع قصر كاف أو قصر الرولة في محافظة القريات على بعد 12 كيلاً شمال شرقي مدينة القريات، وهو عبارة عن قصر تاريخي بني عام 1338هـ على شكل قلعة حجرية بنيت من الحجر الرسوبي الكلسي الأبيض على منطقة صخرية. ويتكون من عدد من الغرف، بعضها للاستخدام السكني، وأخرى للإدارة والمخازن، وقد استمر بناء القصر مدة عامين، ويضم 4 أبراج مراقبة، وله بوابتان رئيستان، وفي الناحية الغربية من القصر تقع قلعة الصعيدي. سُلِّم قصر كاف الأثري إلى الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1344هـ، وأصبح القصر في حينها مقرًّا للإمارة، إذ تعاقب عليه عدد من الأمراء. قلعة الصعيدي تقع آثار قلعة الصعيدي فوق قمة جبل الصعيدي شمال قرية كاف، ولا يعلم الباحث من أين جاءت تسمية (الصعيدي) على هذه القلعة، وقد بنيت بالحجارة البازلتيه السوداء يحيط بها سور يغطي مساحة قمة الجبل بأكملها، ويصل ارتفاع الجدران إلى 5 أمتار، وله أربعة أبراج في أركانه وفيها غرف كانت تستخدم للسكن والمراقبة إضافة إلـى خزانات للمياه. قصر عقيلة المشعـان يقع قصر عقيلة المشعان على السفح الشمالي الغربي لجبل الصعيدي في كاف بمحافظة القريات وتمثل الأجزاء المتبقية من القصر بقايا أسوار تضم في محيطها فناء واسعاً وعدداً من الغرف في جهاته الجنوبية والشرقية وهو مشيد من الحجارة البازلتية غير المنظمة يوجد في الجهة الشرقية منه عدد من الأساسات المطمورة تحت الأرض التي يمكن مشاهدتها من قمة جبل الصعيدي بوضوح. هذه الآثار شواهد تاريخية تستحق الوقوف عليها، وقد تم العثور داخل القلعة على كسر فخارية تؤرخ إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، كما توجد العديد من العيون الكبريتية الجارية التي تستخدم في ريّ مزارع النخيل، وكانت هذه القرية محطة من محطات طريق القوافل القديم في شمالي الجزيرة العربية. ونظراً لوجود الآثار القديمة في كاف فقد زارها عددٌ من الرحالة الغربيين، وكتبوا مشاهداتهم، يقول شارل هوبر: «عيون الماء الصغيرة والعديدة المتوافرة في هذا المكان ( أي: في كاف) كانت تشكل في ذلك الوقت بحيرة في أسفل التل. كما زارت الرحالة الإنجليزية آن بلانت هذه القرية في 28 ديسمبر سنة 1879م فكتبت عنها: كاف قرية صغيرة متميزة لطيفة لها طابعها الخاص، وكلّ شيء نموذج مصغر، الستة عشر بيتاً المربعة الصغيرة، والأبراج الصغيرة ذات المشارف والأسوار بمشارفها بارتفاع 7 أقدام، والسبعون أو الثمانون نخلة في بستان يروى من آبار، ومع أنها محل صغير جداً فإن (كاف) ذات منظر فريد مزهر، فكلّ شيء هناك أنيق، وفي إصلاح حسن، ولن تجد شرفة واحدة مكسورة أو باباً خارجاً عن مفصلاته، وهناك أيضاً عدد طيب من صغار النخيل غرست في وسط النخلات الأكبر سناً، وشجيرات تين حديثة وكروم، أشياء قلّ أن تجدها في الشمال، والناس لطاف المنظر، حسنو السلوك، ولو أنهم في البداية أفزعونا قليلاً بطوافهم والسيوف في أيديهم، وهذه إما يحملونها منكسة على كلا الكتفين أو يقبضون على غمدها بكلتا اليدين، والهندسة المعمارية في المباني القديمة بسيطة جداً، مجرد جدران من الطين بلا شبابيك، أو فتحات من أي نوع باستثناء ثقوب مربعة قليلة قريبة من السقف. وكان السقف من عمدان من الإثل بقواطع من النخل تملأ ما بينها فروع من النخل، وتسمى الغرفة الرئيسة «القهوة» أو غرفة القهوة، وفيها يوجد موقد مربع في الجانب أو من الوسط لصنع القهوة، ولا توجد مدخنة، ويخرج الدخان كما يستطيع. كما زار الرحالة الألماني أويتنج ومكث في كاف لمدة شهر تقريباً، حيث تعرف على أهلها ورسم معالمها، ويتضح من كتابات الرحالة بأن كاف كانت من البلدات المهمة في ذلك الوقت، ولم تفقد كاف أهميتها حتى الآن حيث تمّ اختيار الموقع سياحياً لأهميته التراثية ولتوفر المقومات السياحة الناجحة، وقد قامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني عدة خطوات مهمة لأجل المحافظة على آثارها؛ ليكون شاهداً تاريخياً ومعلماً أثرياً للوطن الغالي الذي نفخر بانتمائنا لترابه. ويعتز الكاتب بالجوف وبكنوزه الأثرية وبمراكزه، كما يعتز بتاريخه المشرّف، وقد قضى في الجوف أياماً ممتعة قبل عدة عقود، شعر فيها بالألفة بل بالمآلف، وأصبحت الجوف من الذكريات الملازمة للكاتب رغم البعد ويتمنى العودة.. لعلّ الليالي بعد شحطٍ من النّوى ستجمعنا في ظلّ تلك المآلف ** ** المراجع: صيد الذاكرة الباصرة للدكتور/ تنيضب الفايدي، آثار منطقة الجوف، الجوف ثقافة وتراث إصدار هيئة السياحة، الأدب يخلد معالم الوطن للدكتور/ تنيضب الفايدي.