×
محافظة الرياض

مهرجان (قريات الملح) والرعاية الكريمة من سمو أمير منطقة الجوف - د. نايف بن علي السنيد الشراري

صورة الخبر

ليس غريبًا أن يفتتح صاحب السمو الملكي -أمير منطقة الجوف- الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز -حفظه الله- (مهرجان قريات الملح)، الذي بدأ يوم الأربعاء 7 جمادى الأولى 1447هـ، الموافق 29 أكتوبر 2025م، لكونه مناسبة غير عادية، حيث أدرك سموه -حفظه الله- أن هذا المهرجان هو جزءٌ من التزامات إمارة منطقة الجوف تجاه المشاركة الفاعلة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تؤكد على أهمية الاعتزاز بالهوية الوطنية والمحافظة على الإرث الثقافي لجميع مناطق المملكة، وكذلك دعم وتنمية قطاع الثقافة كرافد أساسي من روافد التنمية المستدامة. إن الملح في القريات يُعد جزءا منها، فهو أقدم تجارة عرفها أهالي القريات منذ سنين عديدة، حتى أصبح الملح مُرادفًا لاسمها فعُرفت بــ (قريات الملح)، لكون أرضها غنية بالملح عالي الجودة، الذي كان الأهالي يحملونه قديمًا ليُقايضوا به ما يحتاجونه من بضائع في أسواق الأردن وسوريا. لقد أدرك الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أهمية تجارة الملح بالنسبة لأهالي القريات، وعدَّها من لوازم حياتهم التي قد لا يمكنهم الاستغناء عنها، فطالب بتوفير وسائل حمايتها خلال مؤتمر الكويت عام 1342هـ/ 1923م، وتنبه قبل ذلك -رحمه الله- لأهمية القريات كمنجم لهذا الذهب الأبيض، فحرص كل الحرص على انضمامها لنفوذه، وعارض بشدة فكرة التخلي عنها لكونها جُزءًا لا يتجزأ من أرض الجزيرة العربية التي أصبح هو سيدها، ولذلك كتب في برقية بعث بها إلى الكولونيل نوكس موضحًا له أنه لا يمكنه التخلي عن القريات مهما كان الأمر، وأنه لا يهمه امتلاك الأراضي بقدر ما يهمه الدفاع عن رعيته وعن تجارتهم ومصدر رزقهم؛ ولذلك تضمنت المادة الثالثة عشرة من اتفاقية جدَّة التي وقّعها الملك عبد العزيز -رحمه الله- مع الحكومة البريطانية عام 1344هـ/ 1925م تعهدًا من الحكومة البريطانية بحُرية مرور التجَّار ذهابًا وإيابًا من القريات إلى سوريا في أي وقت مع إعفائهم من الضرائب الجمركية. لقد ساعد موقع القريات الجغرافي على ازدهار الحركة التجارية فيها، فكانت مركزًا تلتقي فيه القوافل التجارية القادمة من: (العراق، سوريا، الأردن، فلسطين، نجد، الحجاز)، خاصة بعدما انضمت المنطقة لحكم الملك عبدالعزيز واستتب الأمن فيها، وكان تجار العقيلات الذين يمرون بالقريات يستعينون بأهالي القريات لإيصالهم وما يحملونه من بضائع إلى سوريا. ووفق ما ورد في إحدى إحصائيات تتبع حركة القوافل التجارية خلال (ثلاثة أشهر فقط) من سنة 1347هـ/ 1928م، أن مجموع الإبل التي خرجت من القريات إلى سوريا لغرض التجارة عددها أربعة الآف بعير، وتقول إحصائية أُخرى: إنه ورد لسوريا خلال (شهر محرم فقط) لعام 1347هـ/يوليه 1928م عدد مئة وعشرين جملا من ملح القريات، الذي تمت مقايضته بأنواع من البضائع السورية المتنوعة. أما عن طريقة استخراج الملح، فهي أن يقوم صاحب السَّبخة بحفر بئر بعمق مترين حتى يظهر الماء، ثم يحفر بجانب هذه البئر عددا من الأحواض المستطيلة، ويبدأ بملء هذه الأحواض من ماء البئر الملحية، ثم يتركها لمدة يومين على الأقل حتى يتبخر الماء ويبقى الملح في الأحواض المستطيلة، ثم يقوم صاحب السبخة بتجميعه وتركه حتى يجف، ثم يعبئ استعداداً لنقله وتسويقه. وهناك طُرق أخرى تختلف اختلافاً بسيطًا عما ذكرته هنا. أما أفضل أنواع الملح في القريات هو ما يتم استخراجه من (سبخة العقيق) قرب قرية غطي، وما هو موجود في (سباخ قرية إثرة)، ثم يأتي بعدها الأصناف الأقل جودة مثل: الملح الصبخاوي والملح الطحيني، فالصبخاوي هو الملح المستخرج من أرض السبخات اليابسة، بينما الطحيني هو ملح الصخور المسحوق. ولك أن تتصور قيمة (ملح القريات) عندما تعرف أنه كانت تتم مقايضة (المد) منه (بمد ونصف) من القمح والعدس. غير أن صدور (قانون الملح الأردني) الذي بموجبه تم منع استيراد الملح من الخارج، وما تبعه من إجراءات وفرض رسوم جمركية عالية، كان سببًا في توقف تجارة (ملح القريات) وانتهائها، ولعل وجود الملح في الأسواق بكميات تجارية وتعبئته بطرق آلية قلل-أيضاً- من أهمية ملح القريات داخليًا، رغم جدوى إمكانية استغلاله والاستفادة منه في إنشاء مصانع محلية. إن فكرة إحياء (مهرجان قريات الملح) تحمل معها تعددية ثقافية وعُمقا اجتماعيا وتنوعا بيئيا، كما أنها تُسلط الضوء على جانب مهم من الهوية السعودية في شمالي الجزيرة العربية، وهذا المهرجان - بلا شك - يُقدم معلومات ثرية وصورًا نادرة تُساعدنا في فهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها منطقة الجوف عبر العصور التاريخية المتنوعة، ومعرفة الطرق التجارية وأهم محطاتها التاريخية، والأسواق القديمة التي كانت تُغذي المنطقة بكافة احتياجاتها، والحِراك الاجتماعي الذي نشأ مع تلك الصلات التجارية بين أهالي القريات وتلك المراكز الحضارية في الأردن وسوريا. إن العناية بـ (مهرجان قريات الملح) ليس ترفًا ولا تكرارًا لما مضى، بل هو مشروعٌ وطني يُساعد على فهم الحاضر، ويربط المواطن بجذوره التاريخية، كما أنه يُسهم في بناء الوعي المجتمعي الذي يُعد أساسًا لبناء المستقبل والتخطيط له، ولا شك أن هذه الخلفية التاريخية أمرٌ يُعزز أن تكون القريات محطة مهمة ضمن محطات مشروع قطار (حُلم الصحراء) الذي سيربط الرياض بدمشق. فشكراً لصاحب السمو الملكي -أمير منطقة الجوف- الأمير فيصل بن نواف على هذه الرعاية الكريمة، والشكر موصول لصاحب السمو الملكي -نائب أمير منطقة الجوف- الأمير متعب بن مشعل، وسعادة - محافظ القريات- الدكتور طلال التمياط، ولكل العاملين لإعداد هذا المهرجان التاريخي الحافل، وفقهم الله وسدد خُطاهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ** ** جامعة الجوف - محافظة القريات