في تألُّق فاق التصور، اختتمت فعاليات معرض الحج والعمرة في نسخته الخامسة (من مكة للعالم)، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وباستعدادات وإنجازات أثلجت صدور كافة الجهات الخدمية، حيث اشتمل المعرض -ليس فقط على المبادرات النوعية الجديدة في التقنية والذكاء الاصطناعي في كافة مسارات رحلة الحاج- ولكن كشفت أن الندوات التي أُقيمت من أصحاب المعالي الوزراء، بدءاً من معالي وزير الحج د. توفيق الربيعة، مروراً بمعالي وزير الصحة، ومعالي وكيل وزارة النقل وغيرهم، ممن لهم الأولوية في الإشراف على خدمات الحج، كانت لتوضيح ما تفعله وتقوم به تلك الوزارات في إطار الاستعدادات المبكرة لمواسم الحج. قال معالي وزير الحج: «إن أفضل موسم حج كان عام ١٤٤٦، والذي اعتبره من أنجح المواسم خلال 50 عاماً.. وأن كلمة السر في النجاح هو التكامل بين كافة الجهات الخدمية والعمل كرجل واحد». لقد كانت المبشرات كبيرة.. خاصة أن شركات تقديم الخدمة تنطلق في خدماتها من إيمانٍ راسخ بأن خدمة الحاج أولوية قصوى. ووسط هذا الزخم الكبير بالاهتمام بالحج من مقدمي الخدمات، يكتشف بعض مساهمي أحد الشركات العريقة بأن هناك (معرضاً أو متحفاً آخر) أُلقي به في حراج النسيان، حيث قامت تلك الشركة ببيع إنجازات أكثر من 40 عاماً بثمنٍ بخس، دراهم معدودة!! في تحدٍّ صارخ لحقوق المساهمين في تلك الشركة.. إذ كان من الأولى بدلاً من رمي ذلك المتحف الذي كان شاهداً على إنجازات كبيرة، أن يتم الاستئذان من المساهمين وعرضه عليهم، لشراء ما يرغبون، وإقامة مزاد علني قد تصل قيمته بالملايين، حيث كانت المعروضات عن تاريخ وإنجازات أوصلت تلك الشركة للحصول على جوائز كبرى؛ بل حتى المكتبة وبها كتب تاريخية قيّمة وصور لكبار المطوفين من الأجداد في عهودٍ سابقة، بل صور لبعثات الحج مع وزراء سعوديون يستقبلون وزراء من كافة الأقطار الإسلامية، وفي هذا مساس بحقوق الدبلوماسية التاريخية، لأنها وثائق تاريخية مهمة للحج في أزمنةٍ مختلفة. ناهيك عن مُعلّقات لكسوة الكعبة الشريفة، ونقوش وزخارف إسلامية قيّمة، كلها أُلقي بها في سوق الحراج بدون أدنى مسؤولية!!. هذه الاستفزازات، بوضع تاريخ الحج في سوق الحراج، هو سلوك ينم إما عن حقد دفين وحسد للنجاحات السابقة التي أرادوا طمسها وإزالتها، أو ربما جهل بأهمية التاريخ والتراث والمحافظة عليه.. ولو وضعوه تحت تصرُّف بعض المتاحف الخاصة في مكة أو الهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، لاستفادوا منه في فعاليات وأنشطة تدر دخلاً عليهم عن تاريخ الحج وتطوره من زمن الطوافة الفردية، ثم طوافة المؤسسات، والآن في الشركات.. ورصد للتاريخ لتعريف الأجيال على الجهود المبذولة في خدمة الحجاج.. حيث المتاحف والمعارض من أهم وأفضل الوسائل للتعرُّف على التاريخ والحضارة. إن بعض المساهمين المؤرخين اعتبر هذا التصرف جريمة في حق التاريخ وخدمات الحج، لأن هناك دراسات وبحوثا وندوات علمية قام بها كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسة تاريخ مكة المكرمة، ومنها ثلاثة مجلدات عن (الطوافة والمطوفون) بالشراكة مع إمارة منطقة مكة المكرمة ووزارة الحج. فهل تُحرِّك الجهات المختصة، وخاصة وزارة الحج ووزارة التجارة، ساكناً حول هذه التجاوزات غير المقبولة، والتي قد تُفصح عن تجاوزات أخرى جاوزت المدى؟.