×
محافظة جازان

حين تتحدث الأفعال تولد الإنجازات

صورة الخبر

في زمن تتقاطع فيه الطموحات مع القلق، وتتصادم فيه القدرات مع التردد، يبرز سؤال يكاد يطارد أغلب من يمتلكون مهارات حقيقية: لماذا لا تتحول الإمكانات إلى إنجاز؟ ولماذا يعيش كثيرون بنصف طاقتهم بينما يملكون ما يكفي ليصنعوا ضعف ما يعيشون؟ هذا السؤال يعيدنا إلى فكرة محورية تناولتها دوروثيا براندي في كتابها «استيقظ وعِش»، حيث تشير إلى آلية عقلية راسخة: الأغلبية تعيش وفق ما يشبه “فلسفة الهزيمة مسبقاً”؛ أي إن الإنسان يتراجع قبل أن يبدأ، لا لغياب القدرات، بل لأن خوفه من الفشل يفوق رغبته في النجاح. في دراسة لجامعة هارفارد عام 2021، تبيّن أن نحو 82 في المئة من أصحاب الأهداف الواضحة يتجنبون الخطوة الأولى خوفاً من التقييم الاجتماعي، لا خوفاً من صعوبة الإنجاز ذاته. وفي تقرير صادر عن الجمعية الأميركية لعلم النفس، تَبيَّن أن الدماغ عند مواجهة احتمال الفشل ينشط مراكز تجنب المخاطر بنسبة تفوق 40 في المئة مقارنة بمناطق السعي نحو المكافأة، ما يعني أن التردد ليس ضعف شخصية، بل استجابة عصبية وقائية. ومن هذا المنطلق، يمكن إدراك القيمة العملية لأفكار براندي التي تدعو إلى قلب معادلة السلوك: التصرف كما لو أن النجاح هو الاحتمال الأقرب، لا مجرد احتمال وارد. هذا التحول ليس خدعة ذهنية، بل تقنية يؤكدها علم الأعصاب تحت مفهوم “مواجهة الانحياز”، أي تدريب العقل على مقاومة ميله الغريزي نحو السلامة المطلقة. وتجدر الإشارة إلى أن بحوث جامعة ستانفورد حول “عقلية النمو” تكشف أن الأشخاص الذين يتعاملون مع حياتهم كمساحة للتجربة والتحسن ترتفع إنجازاتهم السنوية بنسبة 34 في المئة مقارنة بمن يحكمون على أنفسهم مبكراً. هذه النسبة توضح أن الفرق بين المتقدم والمتراجع ليس في الموهبة، بل في طريقة تفسير التجربة. وفي هذا الإطار، يضيف علم السلوك الاقتصادي بعداً آخر. فقد أثبتت بحوث دانيال كانيمان وريتشارد ثالر أن الإنسان يميل إلى تجنب الخسارة أكثر من رغبته في تحقيق المكسب بمقدار يصل إلى الضعف. وهكذا يصبح هروب الفرد من خطوة صغيرة قد تُغيّر حياته مفهوماً علمياً وليس مجرد سلوك عابر. إن السؤال الأجدر بالطرح ليس: «ما الذي يمنعك من البدء؟» بل: «ما حجم ما تخسره كل يوم حين لا تبدأ؟» فعندما نغيّر زاوية النظر، يتغير السلوك، وحين يتغير السلوك تتبدل الحياة، لأن النجاح — في جوهره — قرار يُتخذ قبل أن يكون نتيجة تُحصَد. azmani21@hotmail.com