تشهد المدينة المنوَّرة -خلال السنوات الأخيرة- توسُّعًا عمرانيًّا وسكانيًّا متسارعًا، جعل منظومة المرور أحد أهم الملفَّات المرتبطة بجودة الحياة، وسلامة السكَّان والزوَّار، والمدينة اليوم ليست مجرد مركز دينيٍّ وروحانيٍّ، بل هي مدينة حديثة، تتفاعل فيها الحركة المروريَّة مع مواسم مختلفة، ويتزايد نشاط النقل، وتتكاثر المركبات بشكلٍ سنويٍّ ملحوظ، لذلك لم يعد الحديث عن «مرور المدينة» مقتصرًا على المخالفات، أو الحوادث، بل أصبح مرتبطًا بالتخطيط الحضريِّ، وإدارة الحشود، والأنظمة الذكيَّة، واستخدام الطرقات وسلامتها، ومعالجة التشوُّه البصريِّ لسلوكيات بعض السائقين في شوارعنا. ارتفاع عدد السكَّان، واتِّساع الأحياء الجديدة، خلق ضغطًا واضحًا على المحاور الرئيسة، مثل طريق الملك عبدالله (الدائري الثاني)، ومع توسُّع المشروعات العمرانيَّة والخدميَّة، ارتفعت نسبة المركبات الخاصَّة، ما جعل مهمَّة المرور أكثر تعقيدًا، فالمنظومة اليوم مطالبة بمواكبة نمط مدينة تتحرَّك باستمرار، وخاصة مع الملايين الذين يتوافدُونَ سنويًّا لزيارة المسجد النبويِّ الشريف. وهذا النمو يفرض على المرور التعامل مع ثلاثة محاور متوازية: (تنظيم حركة السير، رفع مستوى الرقابة، ودعم البنية المروريَّة)، وكل محور منها يحتاج تخطيطًا مستمرًّا، وليس حلولًا وقتيَّة. إنَّ اعتماد المرور على الأنظمة الذكيَّة أصبح ضرورةً لا خيارًا، الرادارات الحراريَّة، الكاميرات المخفيَّة، الربط الإلكتروني مع الجهات الحكوميَّة، كلها أدوات رفعت من دقَّة التعامل مع الحالات الطارئة، وضمان الانسياب في أوقات الذروة، ومع ذلك، تبقى التقنية مجرَّد أداة، ولن تحل المشكلة بشكل كامل؛ إذا لم يتغيَّر سلوك السائقين على الواقع. والحقيقة التي يعرفها الجميعُ، هي أنَّ جزءًا كبيرًا من الفوضى المروريَّة لا يصنعها الطريق نفسه، بل سلوكيات بعض السائقين، كالتهوُّر، والتَّجاوز بين المسارات، والوقوف المفاجئ في مواقع غير مخصَّصة للوقوف، والقيادة العدوانيَّة، وعكس السَّير، وعدم الاكتراث للوحات المرور الإرشاديَّة، وكذلك استخدام المنبِّهات الصوتيَّة بشكل مبالغ فيه، وتعمد إزعاج الآخرِينَ برفع صوت الموسيقى، واستخدام الدرَّاجات الناريَّة، والأصوات المزعجة بعد منتصف الليل في الطرقات الرئيسة، والشوارع الداخليَّة بين الأحياء، دون وعي يُذكر. إنَّ هذه السلوكيَّات ليست مجرد إزعاج، بل عشوائيَّة وتشوُّه تهدِّد سلامة المجتمع كله، وهذا يخلق مشكلةً يوميَّةً لا تظهر في الأرقام، لكنَّها تستهلك أعصاب السكَّان، ومرتادي الطُّرقات بشكلٍ عامٍّ. نحنُ نعي أنَّ المرورَ لا يستطيع الوجود في كلِّ موقع، لذلك، معالجة التهوُّر تحتاج رقابة ميدانيَّة مركَّزة على النقاط الساخنة، وتفعيل العقوبات على التجاوزات التي تزعج الآخرِينَ، إلى جانب برامج توعية قصيرة ومباشرة تستهدف فئة الشباب، وهم الفئة الأكثر تورُّطًا في حوادث التهوُّر. مرور المدينة المنوَّرة ليس مجرد إدارة، بل شريك في حفظ الأرواح، وحماية جودة الحياة، وصناعة تجربة حضارية لكل ساكن وزائر ووافد، صحيح التحديات واضحة، لكن فرص التطوير أكبر.(شارع سلطانة بعد منتصف الليل وقبله مثال!!).