يوافق الثاني من ديسمبر اليوم العالمي لمحو الأمية الرقمية والحاسوبية الذي يسلط الضوء على أهمية مهارات الحاسوب في عالمنا المعاصر، ورفع مستوى الوعي بأهمية محو الأمية الرقمية، وإتاحة الفرصة للجميع، خصوصا الأطفال والنساء، في زمن أصبحت فيه التكنولوجيا عصب الحياة والاقتصاد، لتصبح الأمية الرقمية خطرًا على المجتمعات والدول خاصة الساعية إلى تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي وتتبنى سياسات تركز على التحول الرقمي. اكتسبت الثقافة الرقمية في القرن الحالي أهمية كبيرة إذ يقصد بها بها قدرة الفرد على إيجاد المعلومات وتقييمها واستخدامها وإنشائها باستخدام التكنولوجيا الرقمي. كما تُمكّن الثقافة الرقمية المواطنين من المشاركة في التحول الرقمي للمجتمع، تُحسّن تفكيرهم، وتُمكّن الناس من التمييز بين الحقيقة والخيال، وتُقلل من انتشار المعلومات المضللة وتأثيرها. يُعدّ الوعي الرقمي مرتكزاً أساسياً للاقتصاد العالمي فمع تطور التقنيات الرقمية، شهد الاقتصاد تحولًا كبيرًا في جميع قطاعاته فالنسبة للدول التي تسعى إلى تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، يُعدّ تحسين الوعي الرقمي بين السكان عنصرًا أساسيًا لتحقيق إنتاجية عمل عالية، وتشجيع الابتكار، وتوسيع فرص ريادة الأعمال. وفي جنوب شرق آسيا تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الرقمي قد يصل حجمه إلى 360 مليار دولار مع نهاية العام الحالي ومن المتوقع أن يرتفع إلى تريليون دولار بحلول عام 2030، كما تتجه دول المنطقة إلى التحول الرقمي في معظم القطاعات واستحدثت العديد من الأُطر والاتفاقيات الإقليمية بين دول الرابطة مثل اتفاقية الإطار الاقتصادي الرقمي (2023)، والإعلان بشأن التحول الرقمي لأنظمة التعليم في رابطة دول جنوب شرق آسيا (2022)، وإطار تطوير الاستعداد الرقمي بين مواطني رابطة دول جنوب شرق آسيا (2021). التي تدعم هذا الاتجاه، ولكن على الناحية الأخرى لا تزال معظم القوى العاملة في المنطقة تفتقر إلى المهارات الرقمية اللازمة للمشاركة الكاملة في هذا التحول. وعلى سبيل المثال فبحسب بعض التقارير ففي إندونيسيا وسنغافورة، لا يتلقى سوى 52 % من الموظفين غير التقنيين تدريبًا على المهارات الرقمية سنويًا. كما وجد تقرير محو الأمية الرقمية في أنظمة التعليم في جميع أنحاء رابطة دول جنوب شرق آسيا (2021) أن الأغلبية (61 %) من الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و24 عامًا لم يتم تعليمهم المهارات الرقمية في المدرسة، مع تعرض جزء صغير فقط لتعليم المهارات الرقمية في جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وميانمار. لذلك تعمل دول آسيان على المستوى الوطني والإقليمي على عدد من المبادرات التي من شأنها أن تعزز من المهارات التقنية لأفرادها، بل وتخفض من معدلات الأمية الرقمية في دول المنطقة. وتتنوع هذه المبادرات ما بين التي تستهدف الطلاب في المدارس وبنتيهم التحتية أو المبادرات التي تضع كافة أفراد المجتمع في قلبها دون أن تستهدف فئة محددة. ومن أمثلة المبادرات التي تركز على الطلاب برامج 1BestariNet في ماليزيا، يهدف هذا البرنامج إلى توفير اتصال إنترنت موحد في المدارس العامة في ماليزيا مع تقديم منصة تعليمية عبر الإنترنت يمكن للطلاب الوصول إليها على مستوى البلاد لمواجهة تحديات العصر الرقمي وإعداد المجتمعات لمستقبل أكثر ترابطًا، ومبادرة «ميرديكا بيلاجار» (Merdeka Belajar) في إندونيسيا، الذي يهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت والتكنولوجيا في المدارس، وببادرة «القيادة الوطنية للأدب الرقمي» (GNLD) لتحسين المهارات الرقمية للمجتمع ككل. وفي الفلبين أطلقت وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مشروعًا لضمان محو أمية الإنترنت والمعرفة الحاسوبية في المدارس على مستوى القاعدة الشعبية، والذي يستهدف تنشئة جيل ذكي من الفلبينيين المتمرسين في التكنولوجيا والمستعدين للمستقبل. ويركز البرنامج على تعزيز الثقافة الرقمية، لا سيما في المناطق المعزولة جغرافيًا والمحرومة. ويهدف إلى تزويد الأفراد بمهارات الحاسوب والإنترنت الأساسية، لسد الفجوة الرقمية وتوفير فرص متساوية للوصول إلى التكنولوجيا. وفي فيتنام أطلقت الحكومة والحزب الحاكم في بداية هذا العام حملة وطنية تعرف باسم «محو الأمية الرقمية للجميع»، باعتبار محو الأمية الرقمية شرطًا أساسيًا للمواطنة الحديثة، تمامًا مثل القراءة والكتابة في القرن العشرين، ارتكازًا على الأهداف الوطنية لفيتنام التي تعطي الأولوية للتقدم في العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتحول الرقمي الوطني، وكجزء من من استراتيجية التحول الرقمي الوطني والتعلم مدى الحياة في فيتنام 2021 - 2030 . وتوفر المبادرة أكثر من 3000 دورة تدريبية مجانية في المهارات الرقمية، بدءًا من استخدام الهواتف الذكية والخدمات العامة عبر الإنترنت، وصولًا إلى السلامة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية. الأمية الرقمية القادمة هي ضعف التعامل مع الذكاء الاصطناعي وأدواته لتسهيل الحياة ورفع مستوى جودتها واختصار الزمن فحتمية التعاطي مع الذكاء الاصطناعي التوليدي والـ«agent» وملحقاته ضرورة حتمية للمرحلة القادمة على مستوى الأفراد والمؤسسات.